كل شيء يثمل في( لوين) حتى الحقائق

ليلة لا تشبه ليلةً أخرى، من المحظور أن تشبه، بل من العار. لو فكرت بلونها سأمنحها الزرقة على الفور، فحيثما وجدت الزرقة؛ وجدت حيوية الإنسان وطاقته ومركزه وماؤه وسطع معناه. هي ليست ليلة حساب أو ندب أو احتفال أو مديح أو ذم للذكريات، ليست ليلة مفترق طرق أو بداية ونهاية لعادات، ببساطة هي ليلة تشبه الهدية المعطاة بسخاء من طرف غامض لاستمتاع مدهش بالتفكك والانفصال عن الذات والجسد والماضي والمستقبل، والتأمل والتحلل والانفلات، من كل ما يربط أو يقيد أو يشوش. هذه ليست دعوة إلى انحلال أخلاقي، العكس هو المقصود تماماً، فهي نداء لسياق آخر من الأخلاق، لوجه آخر من الكرم، هي دعوة إلى وفاء نادر وغير مفهوم للحياة. تكريم مجنون لها فهي ليست فقط قماطاً لأطفال، وشخيراً ليلياً وحبال غسيل، إنها التدمير البهي والخدش الفاضح ونزعة التخريب الساحرة، نظلم الحياة إن نحن كنا مطيعين لما اتفقنا على كونه أخلاقاً أو معياراً للحب والنبل، هل هناك أنبل من رجل جميل وحزين يتبول في شارع عام محتجاً أو محتفلاً؟ فحسب ما اتفق عليه هذا الرجل غير مؤدب، فهو يجرح مشاعر المارة، لكننا لو عرفنا قصة الرجل وجمال جراحه أو فرحه، لقلنا له بول على أكتافنا يا هذا، لكننا لا نعرف ولا نريد أن نعرف، نحتاج فقط إلى أن ننفصل عن دبق المعيار ولو قليلاً لنحدق في عيون الحكاية، أعرف كيف سيبدو هذا الكلام للكثيرين: متعالماً ومتحذلقاً واستعراضياً وفارغاً، لكنني لا أراه كذلك؛ لأن كنزي الفخم (مخيلتي) سيعينني على تخيّل رجال فاضلين كثيرين يبولون في بناطيلهم أثناء خوف ما، ما الفرق بين الخوف أو الجرح أو الفرح الجارف؟ ليست المشكلة في التبويل، فالكل يبول، لكنها في مكان التبويل، من حدد المكان وأعطاه شرعية ما؟ من سحب من الشارع شرعية التبويل فيه؟ هنا مركز القصة ودلالتها؟.ليلة (سافلة) بالمعنى الإنساني والجمالي للسفالة لا الأخلاقي، مختلطة، فيها شيء من كل شيء، من الجسد المكسور: الذكريات الداكنة، الغضب المحروق، الحب المخبوء، الندم الساكت، الهيام المحتدم ومن الله المنتظر، لا أنكسر سوى في ثلاث ليال، ليلة عام جديد أو حب جديد، أو نص جديد، انكسار يشبه الاستسلام السعيد النهائي الطوعي المفتوح بجمال سمح على احتمالات طيران أو حرب، في هذه الليلة الثمينة ثمة كتاب ينبغي تمزيقه، سور يجب هدمه أو محرم من السمو أن نرتكبه، أو شرف ما من المثير هتكه، مؤخرة ضخمة من الممتع ركلها، أو حديقة مطمئنة من الأناقة تخريبها، امرأة لا تصدق، من اللذيذ أن نتسبب في بكائها وتتسبب هي في بكائنا، كم هو رائع أن نخرج من البيوت بعرامة مراهق، ونصفق الأبواب خلفنا بغزارة مختل، متدفقين إلى الشوارع والحانات أو أطراف المدن (مصطحبين الذكريات والزوجات والأولاد إن أمكن) حيث عتمات دسمة ما تربض بثقة غبية بانتظار خدشنا لحيائها، أو رجل (فاضل) ينتظرنا شخيره لنعرقله بصيحاتنا، أو امرأة مرتبة تنتظرنا ستائرها لنهزأ بسُمكها.ليلة من غير الأخلاقي أن تشبه ليلة أخرى، في حانة (لوين)، تجمعنا، كنا أميالاً من الأكاذيب والمخاوف الأحلام والرغبات في التحطم، عيون متوحشة حزينة وعمياء لا تريد أن يدلها أحد على طريق أو باب، أو منعطف، مريح جداً أن نتحطم أمام أعيننا، نسمع وقع حطامنا، نلومه، نتنشقه، نفاجأ به ويفاجأ بنا، نحبه ويكرهنا، نلملمه، بأيدينا ونلعب به ونفض به بكارة السنة العذراء، كم هو سعيد أن نتفكك ونرى أطرافنا وأحاسيسنا تتناثر هنا وهناك. ثم نعود إلى البيت من دونها لنفاجأ بها وقد سبقتنا إلى البيت قاعدةً عند العتبة تنتظر المفتاح الذي نسيته معنا.رقصت حطاماتنا في (لوين)، انفصلنا عنها تماماً، راقبناها وراقبتنا، تبادلنا مع بعضنا البعض أنخاب سافل آخر يمر قاسياً مثل مدير مدرسة أصلع القلب، ولا مبالة قطار يرى أمامه عاشقين عاثري الحظ يرغبان في موت سريع ودام على يد عجلاته، فيعجنهما بسعادة مستثارة. فيعجناه، أيضاً، برغبتهما المصفاة القوية بالموت، لتكن ليلة تخريب واحدة على الأقل في السنة، أكثير على الحياة وعلى أجسادنا وأرواحنا أن نمنحها شمس هذه الليلة اليتيمة؟ كل شيء كان ثملاً هناك حتى الحقائق، كالموت مثلاً أو الرغبة في عدم الإجابة عن سؤال يطارد أنفاسنا كل لحظة: لوين رايحين؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق