سفن الرواية الفلسطينية في الطريق إلى غزة

لن يلتقطها رادار بحرية الاحتلال، لن ترتعد فرائص باراك وليبرمان غضباً، لن يهددا باقتحام السفن؛ لأنهما سيتفاجآن بالسفن ترسو على شاطئ غزة، لندعهما الآن في جهلهما وعماهما، ستتبادل أجهزة الاحتلال اللوم، وستشكل لجنة تحقيق تحت عنوان واحد هو: (كيف دخلت هذه السفن غزة؟) لا أحد من حراس الحدود المتشنجين سيراها بمنظاره الكامن لكل منقار يتلقط عوداً لعش، وشجرة تمارس حقها في النمو، وطفل فلسطيني ينزلق إلى الوجود، بهدوء مبتسم ستدخل سفن الرواية الفلسطينية غزة قريباً جداً، هي في طريقها الآن، بعد أن انطلقت من ميناء إبراهيم طوقان، حاملة راية مكتوباً عليها: (الرواية الفلسطينية بين حركية التاريخ وأسئلة التجريب)، على سطح السفن سيُشاهد الروائيون الفلسطينيون يلوحون بالحب والحروف والدموع : جبرا إبراهيم جبرا وإميل حبيبي وغسان كنفاني وليانة بدر وليلى الأطرش وغريب عسقلاني وأكرم مسلم وسحر خليفة وأحمد رفيق عوض وخضر محجز وعدنية شبلي.
جميل جداً عجز تقنيات الطغاة حتى الآن عن إيجاد طريقة لتفتيش الرغبة أو الفكرة أو الشعور، جميل جداً عدم القدرة على اقتحام سفن الرواية واعتقال أبطالها وطرد مؤلفيها، كما حدث مع سفينة (مرمرة)، هي فكرة الشاعر عثمان حسين، والمؤتمر سيكون تحت رعاية مجلة (عشتار) واتحاد الكتاب في غزة، الهدف أن يكون للثقافة الفلسطينية كلمتها وسطوتها واقتراحها، وسط هذه الغابة من البنادق الغريبة والجراح المتهورة والمنفعلة وغير المفهومة وظلال الله وفتاوى العصر، أن يكون لفلسطين صوت آخر، لا هتاف لمجزرة فيه أو سعادة مؤدلجة ومؤجلة، ليست الفكرة كما يتوقع أن نخرق الحصار أو نتحدى الحواجز، هذا من نافل التصور، الفكرة هي أن نكون، أن نعرف الإنسان فينا، أن نصون قدرتنا على الحياة، ونتنشق زهور كرامة العيش، أن نستمتع ونعرف. لا مفاجأة في خبر المؤتمر، فهذه (البقعة الغبارية الرائعة) التي توهِمنا وتوهِم نفسها أنها مدينة تعودنا دائماً على أن تكون السباقة إلى اقتراف الإشعاع في زمن كابٍ ومتعب ذاهب إلى النوم، غزة تكره أن تكون متوقعة، تموت في وقت نحتاج فيه إلى الحياة، وتحيا في زمن يموت فيه الكل، غير مفهومة لكنها حية حية للغاية، بشكل منهك ومحير. سيناقش المؤتمر على مدار يومين عشر روايات فلسطينية عبر محورين: (الجيل والتيار)، مناقشو الروايات، هم نخبة من الباحثين والكتاب الذين يرافقون الروائيين على السفينة المبحرة الآن باتجاه غزة والتي من المتوقع أن تصل في منتصف الشهر المقبل.
مؤتمر غزة سيكون أول المؤتمرات في فلسطين التي تناقش الرواية الفلسطينية، وهذا مصدر شهي ومضاعف لاعتزار غزة بمبادرتها، الرواية الفلسطينية تحتاج فعلاً إلى مؤتمر، عشرات الروايات صدرت وما زالت تصدر، من مكرسين وجدد، نحتاج إلى أن نحلل ونفكك سياقات الرواية الفلسطينية وطنياً ووجودياً ووإنسانياً، ونتتبع مراحلها وندرس تياراتها وتقنياتها، ونتأمل زمنيتها وأمكنتها ومنافيها، وأن نفهم من الذي أضاف إلى فن الرواية عربياً وعالمياً ومن الذي لم يفعل؟ من احتمى بمظلة السياسي واشترى مجده الثقافي بانتمائه الحزبي؟ ومن الذي كسر التابو وعبر نهر الكتابة إلى الشاطئ الآخر مجللاً بالجرأة والفضول الجميل، ومن الذي وقف خائفاً على الشاطئ يراوح مكانه ولغته وفضاءه؟ من عمّق مفهوم الوطن ومن زاده تسطيحاً وابتذالاً؟ من طور لغة الرواية وأصغى إلى نبض الشارع والعصر ومن لم يفعل؟ أسئلة كثيرة تنتظر الباحثين الفلسطينيين، وتنتظرنا.
لا يذهب معظم أدباء غزة إلى النوم، إنهم ينتظرون على الشاطئ يحملون المناظير، يتلهون باللعب مع النوارس لعبة الظل والطائرات ومع الشمس لعبة الشروق الشجاع والخفي، ومع الموج لعبة الصخب والسمك، ينظرون إلى البعيد، وينتظرون جبرا وغسان وإيميل وآخرين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق