مملكة الوهم الكبرى

منذ سنتين تقريبا تعرفت على (الفيس بوك)، على مدار السنة الأولى، وأنا لست أنا، كنت أتوه عن باب بيتي، وأقع في التباس الأسماء حين أرى أصدقائي الحقيقيين، فأطلق عليهم أسماء أشخاص أعرفهم عبر الفيسبوك، فيضحكون واندهش أنا مما يحدث لي، ومن تضارب هاتين الحياتين اللتين أعيشهما. في السنة الثانية استيقظت من حلمي الباهر، هبطت من الجبل السحري عائدا الى بيتي وعطري وبطاقة هويتي، رائع ومخيف هذا المكان، رائع لأنه يعطيك فرصة أن تتبادل مع نفسك ومع العالم، المعرفة والقلق الانساني المنتج واحترام الآخر، وتذوق الفنون، وثقافة الاصغاء، بالامكان صنع جنة من هذا المكان وبالامكان صنع جنية، تجنن وقتك، وتشوه روحك، وتخرب احساسك، مخيف هذا المكان لأنه يبيعك وهم التحقق بأقل الأسعار وأشدها غزارة وتوافرا بين الناس: (الحلم)، فقط أعطه نصف كيلو من الأحلام مثلا، يمنحك بسخاء (كيلو) من احساس بتحقق ما، وبرضى مفزع عن الذات، عليك أن تغمض وعيك بعصابة ليل طويل، وتطير الى هناك حيث البوابة الفضية العملاقة مفتوحة، بلا حراس، بلا تفتيش، كل شيء بانتظارك، كل شيء قابل للتحقق بسهولة: الحب والصداقات والجنس (الكلامي) والكراهية والنميمة ومتع التلصص، من السهل جدا في هذا المكان أن تصبح عاشقا أو معشوقا، تعشق امرأة لا تعرف شكل خطوتها أو رائحة عينيها، أو ملمس روحها، وأن تموت من الغيرة اذا ما اختفت عن الظهور في هذا الوطن المترامي الأحلام والجنون، لأسباب معينة قد تكون مرضا أو ضجرا أو زواجا، أو طلاقا، أو موتا، ستتهمها بالخيانة، وستطاردها عبر الوحش (غوغل)، وستنتظرها على مفارق (ماسنجر)، وستبكي على أكتاف صديقاتها المفترضات التي قد تكون هي واحدة منهن، كل ذلك وأنت لا تعرف كم مساحة ابتسامتها وهي نائمة، وكم شامة تتغذى على سمك نهدها؟، وكيف يسقط طير ما فوق رأسها رغبة في أن يتخذ من ضحكتها عشا، أو غصنا، أو فضاء جديدا، وان حصل خلل عادي ما في حسابها على الفيس بوك، واختفت نهائيا، فهي خائنة بالتأكيد وكارهة لك (لن يقنعك أحد بغير هذا التفسير)، وهي الآن في أحضان رقم آخر، ألسنا جميعا أرقاما في معايير هذه العالم الغريب؟. أرقاما بائسة تمارس حياة من رمل و خشب، بلا حواس، ستتغير حياتك، وستصبح عصبيا مع أولادك وأصحابك وأهلك، سيقول طفلك لصاحبه في المدرسة (بابا زعلان مني ما بعرف ليش؟) ستفكر جديا في استدانة مبلغ من صديقك الثري، لتسافر الى بلدها، وتسافر بالفعل تاركا جوع أطفالك وانذارا من مديرك في العمل، وحيرة في عيون الزوجة، فتفاجأ بحبيبتك البعيدة طريحة موت قادم بأنياب سرطان ثدي، أو قد تفاجأ أنت بك وبها وببلدها غير موجودين على خارطة الوجود البشري، تعود الى زوجتك وأطفالك وأصحابك، تعانقهم بغزارة وتكتب نصا اعتذاريا يشبه هذا النص، ولكن بعنوان آخر هو( وهم الوهم)، فقد أدركت أخيرا أن( الفيس بوك) وهم صغير داخل وهم كبير هو الحياة نفسها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق