"عيب عليك يا بندقية أبي لو قتلت عمو"

انهضوا يا أطفال فلسطين الرائعين في الصباح الباكر جدا، ازحفوا على اقدامكم الصغيرة، ستجدونها هناك مركونة بهدوء معبأة بالـموت، اكتبوا عليها بحروف قوية كبيرة: "يا بندقية أبي عيب عليك لو قتلت عمو"، ثم عودوا إلى فراشكم وناموا بهدوء، وحين ينهض الأب الـمقاتل وبينما أنتم جميعا تجلسون متحلقين حول طاولة الفطور، قولوا لآبائكم إنكم مضربون عن الطعام حتى يقسم الآباء الـمقاتلون أنهم لن يطلقوا النار على الإخوة الفلسطينيين الآخرين، أما أنتن يا نساء الـمقاتلين ويا زوجات الشهداء والـمعتقلين والجرحى، اخرجن الى الشوارع واحتللن الـمؤسسات وانتشرن في الـمنعطفات والأزقة رافعات صور الشهداء والـمعتقلين، اهجمن على كل مقاتل يطلق النار على أخيه وأشبعنه توبيخا أو أسئلة وصورا للشهداء.
يا نساء غزة حررن غزة من جنون الحرب الأهلية كما حررتن الـمقاتلين من حصار بيت حانون، يا نساء فلسطين في كل فلسطين، يا زوجات وأخوات وبنات وجدّات الـمقاتلين والـمعتقلين والجرحى والشهداء، أنتن الوحيدات القادرات على وقف هاوية الإخوة، لا لجان الـمتابعة ولا وساطات العرب ولا مناشدات العالـم تستطيع أن توقف قتال الإخوة، فقط أنتن من تستطعن بما تمتلكن من جرأة وشرعية وقوة خفية داخلية، ومصدر للبراءة والسلام واستشراف الـمستقبل، والحرص على روح فلسطين ونبض شعبها، والقرب الحميم من فكرة التسامح، وتراث بلادنا النضالي ووصايا الشهداء غير الـمعلنة، أن تحرجن البنادق الغبية وهي تقتل أبناء شعبها.
اذ كيف يستطيع مقاتل يستعد لقتل أخيه أن ينظر إلى عيونكن يا بنات الشهداء وزوجات الـمعتقلين؟ كيف تستطيع بندقية غريبة أن تطلق النار على فلسطيني شريف بينما زوجة شهيد كان يقاتل مع صاحب هذه البندقية تهزه من كتفه وتصيح فيه يا مقاتل: يسلـم عليك زوجي الشهيد ويقول لك هل نسيت طريقنا؟ كلـما همت رصاصة فلسطينية بالانطلاق إلى صدر فلسطيني آخر واجهنها يا نساء فلسطين بصورة معتقل فلسطيني وانظروا الرصاصة كيف تتراجع مذعورة، خائفة ونادمة.
لتكن البداية هي الانتشار في الشوارع والهتاف ضد البنادق القاتلة لشعبها، ثم احتلال الـمؤسسات والوزارات والثكنات العسكرية، وسيكون الـمشهد رائعا لو انتشر أيضا تلاميذ وتلـميذات الـمدارس معكن، يهتفون بالـمجد للبنادق الشريفة الـموجهة إلى الاحتلال فقط، واقترح أيضا أن تقوم النساء الفلسطينيات بترك البيوت لأن البيت الكبير في خطر والتجمع في كل مكان بالتظاهر ليل نهار في الساحات والطرق ويقمن بتوزيع وإلصاق صور الآباء الـمعتقلين والشهداء على حيطان وجدران البيوت وأعمدة الكهرباء، وكتابة هذه الجملة على الجدران: "من شهداء ومعتقلي وجرحى فلسطين إلى أصحاب البنادق التي تقتل الإخوة: يا رفاقنا لـماذا ضللتم طريقنا؟ هل ضحينا بأرواحنا لننتهي إلى مشهد نقتل فيه بعضنا البعض؟" اخجلي يا بندقية العار، وارجعي إلى الـمخزن مضمخة بالندم.

اتركن البيوت يا نساء فلسطين وهددن أزواجكن الـمقاتلين بالعصيان وارفضن الواجبات الزوجية والبيتية حتى تتوقف حروب الإخوة الأغبياء، وأنتم يا أطفال فلسطين يا أبناء الـمقاتلين، اعتصموا في الساحات وارفضوا العودة إلى البيوت أو الـمدارس، إلى أن تتوقف أصابع الآباء عن الضغط على زناد البلاهة، لتكن ثورة النساء والأطفال إذن ضد الغباء وضيق الأفق، والتعصب الأرعن والفئوية القاتلة، فلسطين بيتنا الكبير، أكبر من كل البيوت الصغيرة التي تقصّر الطريق إلى حريتنا الـموعودة واستقلالنا الـمجيد، هيا، هيا، نخرج إلى الشوارع نساءً وأطفالا، بنات متزوجات وعازبات، ربات بيوت ومهندسات وطبيبات وفلاحات ومعلـمات وموظفات، هيا يا أحلى الحناجر وأصدق الضمائر وأرق القلوب وأعذب الأرواح، هيا بسرعة إلى حيث نقف في وجه الرصاص الوطني الذي ضل طريقه في فوضى مرحلة عمياء لـم نعد فيها نعرف مع من نقف.
لكننا نعرف صحا واحدا لا اعتقد أن فلسطينيا شريفا يجادل فيه وهو أن حرب الإخوة الفلسطينيين هذه هي الخطئية الكبرى بل الكارثة الـمفزعة، فنحن نستطيع أن نفهم وجود عملاء بيننا للاحتلال، لأن كل شعوب العالـم الـمحتلة تواجد فيها عملاء، نستطيع أن نفهم وجود حالات هروب من الـمعركة مع الـمحتل بسبب ضعف مفاجئ أو جبن، ونقدر على استيعاب وجود جبهة داخلية ضعيفة بحكم تخلف ثقافة هذا الشعب أو ذاك، وانغلاق ذهنه واهتمامه بهموم وعادات اجتماعية متخلفة، وهناك مساحة لتقبل وجود خلافات بالرأي في تفاصيل جانبية بين فصائل وقوى تناضل من أجل هدف واحد وهو الاستقلال، لكننا لن نغفر وجود حرب حقيقية بالرصاص ومدافع هاون بين إخوة الهدف الواحد، خصوصا وأن الاحتلال لـم يخرج من بيوتنا ومدننا وصحون عشائنا وأجسادنا بعد، سيكتب التاريخ أن نساء فلسطين أوقفن حروب الدم الواحد وحفرن تاريخا داخل التاريخ، وأن رجالها اثبتوا أنهم كائنات صنعت للكلام والوعيد والوعود.

"عيب عليك يا بندقية أبي لو قتلت عمو"

0 التعليقات:

إرسال تعليق