تأملات

صدفة
صدفة غريبة جمعتني مع زميل صف اعدادي قديم، صار الآن متعهد بناء قديم، سألني: هل تزوجت؟ لا، هل بنيت بيتاً؟ لا، هل سافرت؟ لا، هل أحسست بطعم الأبوة؟ لا، هل تذوقت طعم الكافيار؟ لا.
سألته: هل تذوقت طعم المستحيل؟ لا، هل أحسست يوماً أنك قوة كونية كبرى؟ لا، هل تحسست فرو الخسارة الممتعة، لا، هل استضفت يوماً غيمة في عينيك؟ لا، هل اكتشفت بعداً آخر لذهنك؟ لا. ظل هو ينظر الى ملابسي ويبتسم، ظللت أنا انظر الى كتابي الاخير في يدي وابتسم، لم يعرف كلانا من هو المنتصر.

لـــــو
لو حصلت على امرأتي الموعودة، سأخترع فيها عيباً حتى اكتب عنه.. قد اتهمها بأنها خانتني مع صديقي الأشعث، كذلك بيتي البعيد الذي سرقه الاحتلال، لو عاد إليّ سأبكي عليه بسبب خراب حديقته أو ضياع مكتبة جدي وصور العائلة منه، ولو أعادت لنا إسرائيل بحرنا سأشكو من بلادته الزائدة، وقلة موجه، ومرض سمكه، لو عادت لنا فلسطين، سأتذمر من تخلف سكانها وقد افضح خلوها من الانهار والبحيرات، وسأبكي على الشهداء الذين لم يعيشوا حتى يشموا نصر بلادهم.

حسين
حسين: أتذكر كيف كنت أنت تقرأ النصوص، بصدقك المعروف، متجاهلاً أسماء كاتبيها، النص عندك هو الاسم وهو الهوية، وهو الخارطة، والبوصلة، لن أنسى يوم رميت نصاً لي في وجهي قائلاً باستياء محب: كمية الادعاء عندك كبيرة هنا، اكتب بصدق يا زياد، وأتذكر يوم استغربت أنت من تذمر احد الشعراء حين اكتشفت في شعره خللاً ما، قلت: هذا شاعر أحمق، فأنا شخصياً ابحث عما يدلني إلى خللي، عليه أن يفرح، لأني أعطيته فرصة للقفز عن نفسه وتجاوز مستواه. حسين يا حسين يا حسين.
سيدة البلاستيك
لسيدة لا ترد، لا ابتسامة، لا تنهد، لا حتى استغراب. عالم الأرقام لا تهزه كلمات ولا تربكه لوحات او أغنيات. هو عالم الصخور حين تتراجع عنها موجات البحر الرشيقة. وتذهب الى الرمال بعيداً عنها حيث هناك الانسيابات والتحولات والانفجارات والارتعاشات الداخلية. هناك الفنون التي تهزم الموت. "ما أعظمك يا محمود درويش". مرة اخرى تستعد لسؤال آخر: سيدتي: ألديك ملاحظات على ما اكتب في جريدتكم؟ الصمت يرد عليّ، البلاستيك هو الرد، ووجهي في المرآة عبارة عن جرة زيت مفجورة ومدلوقة. على شارع عام، وفجأة يأتي رد السيدة الرقمية الشمعية: أنا يا سيد لم اقرأ جرائد وكتب منذ عشر سنوات. فالمشاغل كثيرة. والحياة صعبة. تستلم الشيك، تغادر المكتب، في المصعد، يفاجئوك وجهك المدلوق السائل، تقترب من زجاج المرآة الكبيرة، لا ترى وجهك، ترى شيكاً مالياً ضخماً أسفله، خربشتك التي بلا معنى. المصعد يهبط يهبط ولا يتوقف، المصعد لا يتوقف، يا الهي، المصعد يهبط في قاع العالم، إلى أين تذهب بي أيها المصعد، كهرباء المصعد تنطفئ، ظلام، هبوط، ظلام، وصوت الهبوط واضح وصارم. ظلام هبوط ظلام. لا ضوء، لا نهار، لا شوارع.

حب مرة أخرى
"أن تكون رساماً يعني ان تحب ثانية" هذه عبارة لللعين هنري مللر الذي كان رساماً ايضاً واقام معارض كثيرة، الرسم هو حب بطريقة ما، مواصلة درب حريري قطعته فجأة قاطعة طرق رائعة اسمها الحياة. الكتابة ايضا حب بطريقة ما، هل اللون امي والحرف ابي؟ هل انا كائن الكلمات الملونة اعيش على سفح بنفسجي هائل لتلة طيبة تدعى الشغف،؟ تكثر الالوان في قصصي كأنني بذلك اقدم اعتذاراً لخيانتي أو كأني مسير بطاقة لونية دفينة داخلي تحرك شخوصي وكلماتي كما تشتهي، او كأني انتقم من الكلمات لمذبحة الالوان التي ارتكبتها في زمان بعيد، حين نسيت الالوان تحت الشجرة وتركتها نهباً للنسيان والاهمال. أو كأني أود دائماً أن أحب ثانية.
Zkhadash1@gmail.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق