دوامات على شاطئ بين الذات والمرأة والمعلم والأديب

دوامات على شاطئ بين الذات والمرأة والمعلم والأديب
أجرت الحوار الكاتبة إيمان الوزير
● ● ●


قال هو عن نفسه (ولدت في زهرة المدائن بوابة السماء ومنارة المدى القدس عام 1964م، ومن حيث أنني قد تورطت في الحياة استمريت نحو الغوص عميقا في بحر المدن والشوارع والحارات والصفيح المقاوم لاشعة الشمس وغبار الامنيات ، درست حتى الثانوية في وطني الجميل ولانني لا احب الحدود فواصل الرحم ركضت جريا الى الأردن الهادئة ومن حليب جامعة اليرموك استقيت اللغة العربية اللذيذة حتى ارتويت وتخرجت منها في عام 1989م وبعدها سارت بي الخطى نحو بوابات المدارس حتى استقر أمري في احد مدارس رام الله ومن هنا بدأت ....)
قلب طائر يبوح بهمسات المقاهي ، يعتق ذاته فتحلق بين أبنية القدس وأحجارها ، يقلب التاريخ ويعيد للجغرافيا خصائصها اللامنتهية ، يبحر عبر اللاوعي واللامكان ، طقوسه وأجواؤه الكتابية أمطرت بالحب له وأرعدت بالكره ضده ،
في هذا الحوار يكشف زياد خداش لمحاورته إيمان الوزير بعضا من جوانب فكره فماذا يقول :

س1 من هو زياد خداش بين المداد والقرطاس
ج- أنا روح متورطة في البوح الحميم الذي لا يعترف بالسقوف من عيب وحرام ، روح مجنونة مهمتها الوحيدة هو ترحيل عالم الاحلام الى عالم الحقائق والوقائع ، بث نوع من الفوضى الجميلة والعنيفة التي تهدف الى خلخلة مفاهيمنا وارباك جمودنا ، الانحناء لثقافة السؤال الغائبة بقوة في حياتنا بكافة جوانبها وخاصة الجانب العقيدي ، احترام الغريزة لكونها ضحية شرائعنا وحساباتنا الكاذبة ،ومطية سهلة لنفاقنا وخوفنا ، هذا هو أنا ، افتخر بكوني كذلك ، اذ لا استطيع ان اكون صدى جاهزا لمفاهيم مجتمعي ومرآة مطيعة للتفكير السائد ، النقاد والقراء هم وحدهم الذين يحكمون على مدى نجاحي في تقديم نمط تفكيري من خلال الفن القصصي .


س2 يقول زياد خداش في إحدى قصصه ( في الطريق المتعرج، المليء بالحصى المبعثر والحجارة الساقطة من السناسل المهدمة بقايا النفايات الجافة، مشيت،انه يوم خريفي حيث كل شيء يتخلى عن أحبائه لصالح موت خفيف، خطواتي تذهب إلى اللامكان، اللازمان،) أين أنت بين اللازمان واللامكان ؟
ج- دائما كنت مؤمنا باني اعيش في كل العصور ، وفي كل الامكنة وان مخيلتي الحبيبة العدوة تساعدني في اغتيال الحاضر بعد الاعتذار له بأدب او أسره لفترة في سجن ما فتحته خصيصا له في غرفة اخوتي المعاقين حيث ينهشونه هناك بالصراخ والركل والقضم، تختفي رام الله ويختفي اصدقائي واهلي ومدرستي ، واصبح محاربا يبوسيا او او راهبا يونانيا ، حين اقرا كتابا عن الاندلس ، اتحول فورا الى شاب يعمل بستانيا في حديقة الامير ابو عبد الله الصغير ، وحين تدخل امي غرفتي حاملة الشاي تستغرب مني فأنا غير موجود فاسمعها تهمس لنفسها اين ذهب ؟؟ كان هنا قبل قليل . قبل أيام ذهبت إلى أريحا في رحلة مع طلابي وبينما كنا نتجول في ساحات قصر هشام ،و في لحظة ما دهش طلابي لغيابي ، بحثوا عني في كل مكان ، وابلغوا الشرطة ، وفجأة استغربت منهم قائلا : مابالكم ؟ كنت هنا لم اغادر القصر ، انتم الذين اختفيتم .
التاريخ القديم يسحرني امكنة وزمانا ، فأغيب عن وعيي واسافر فيه عبره ، احيانا افقد ذاكرتي تماما فلا اعود اعرف من انا ولأي عصر انتمي ، هذا الاشتباك في العصور داخلي يسبب لي الدوار الجميل لكنه يجعلني اهبلا في عيون الناس ،
ويا مرحبا بهذا الهبل .


س3 في مقالك ( جسد المرأة : غابة من الأسئلة و عاصفة من الحنين ) كنت محاميا بارعا تدافع عن جسد المرأة وثقافتها وتضع أصناف الذكورة وأشكالها من الأدباء إلى مساحي الأحذية في قفص الاتهام ، وقد طرحت ـ خلال مقالك ـ مجموعة من الأسئلة لم تجب عنها وكأنك تريدها مفتاحا لمزيد من الطرح كقولك هل تستطيع المراة ان تكون دون جسدها ؟؟
وقولك هل تستطيع المرأة ان تكون مصدر ابهاج للرجل لو كانت من غير جسد انثوي ؟؟
ا
ودّ هنا ان أوجه لك الأسئلة ذاتها في قالب ذكوري فأقول
ـ هل يستطيع الرجل أن يكون دون جسد و هل يستطيع الرجل ان يقدم مادة إغراء وإبهاج للمرأة بعيدا عن الجسد الذكوري ؟
ج - المخجل والمثير للاستياء في ثقافتنا العربية انها ربتنا على اعبتار الرجل هو عقله وذهنه و ان المراة هي جسدها ، والدليل على ذلك هو جسد نانسي عجرم الذي هو سبب شهرتها واحتلالها مركزا مهما في حياة واحلام واجساد شباننا وشاباتنا في العالم العربي ، ليس صوت نانسي او كلام اغنياتها من يجذب انه جسدها وحركاته ، تخيلي هذا المشهد : صوت نانسي مركب على جسد سناء جميل ، مع احترامي الشديد لسناء ولقيمتها الفنية وعبقريتها الادائية هل ستجدين نفس الادهاش والجنون ؟؟ طبعا هذا لا يعني اني ضد جمال الجسد والافتنان والجنون به لكني ضد تغييب دور العقل في المرأة والتركيز على الجمال الجسدي ، هذا موضوع يسبب لي الما كبيرا ، طبعا انا ارفض هذه النظرية ، واحاول ان اطبق في سلوكي الشحصي ، ما يعكس رفضي لها ، في مرات كثيرة افشل واعود الى تربيتي الرسمية واتورط في ساوطات ذكورية مقيتة لكني سرعان ما اتراجع مشدودا الى تدريب صارم امارسه مع ذاتي ،
في ثقافتنا المريضة , لا يحتاج الرجل الى جسد ، لان المراة العربية نفسها حسب تربية هذه الثقافة المجرمة لا يجب عليها ان تشتهي شعر صدر رجل مثلا ، عليها ان تعجب بعقله وتفكيره ورجولته الممثلة في مواقفه وشجاعته ،

س4 يوجه زياد خداش خطابه للمرأة الفلسطينية فيقول ( أنا بانتظار المرأة الفلسطينية التي تكتب نفسها ، احتجاجاتها، اقتراحاتها، فرحها وفخرها بجسدها ، تحللها من السقوف وتحطيمها للجدران ، طالما تمنيت شخصياً أن أكون أنثى لأفجر أسراري وخنقي وسخريتي وثراء تناقضاتي وامتداد أحاسيسي ، وصمود المرأة الفلسطينية تحت الاحتلالين، السياسي والاجتماعي يعطيها أصداء هائلة للتعبير والتحليق) ألا ترى بأن المجتمع الفلسطيني مسؤول عن ذلك ؟
ج- طبعا المجتمع مسؤول عن ذلك ولكن اذا كانت هناك امراة تريد ان تصبح كاتبة فعليها ان تخاطر وتغامر لان الكتابة ليست لعبة وليست طريق سهل للفضفضة فقط والشكوى من مظالم الرجال من تريد ان تشكو ظلم رجل عليها تقديم بلاغ الى مركز الشرطة وليس الى عالم الادب والكتابة ، فالادب ليس وزارة لحل مشاكل الحياة الزوجية وليس ساعي بريد بين العشاق.



س5 اختلف النقاد مؤخرا حول كتاباتك خاصة ما كتبته عن مقاهي رام الله ، فهاجمك البعض بينما أيدك البعض الأخر ......فماذا تقول لزياد خداش الواقع بين مطرقة الرفض وسندان التأييد ؟
ج- أحب من يكره ما اكتب لكنه يفسر ذلك بأسباب فنية وفكرية ، واكره من يحب ما اكتب ولا يقول لي لماذا؟؟ هناك امرأة قالت لي يوما لا احب شكلك ولا احب نصوصك ، قالت ذلك لسبب بسيط هو اني لم استطع ان احبها ، العلاقات تتحكم في اغلب تقييمات القراء ، الناس الذين لا يعرفوني شخصيا يحبون بقوة ما اكتب ، اصدقائي حولي لا يندهشون لما اكتب ، لان القرب حجاب كما قال لي يوما ما باسم التبريص . انا مثلا كنت معجبا بنصوص شعراء فلسطيننين كثيرين اثناء وجودهم بالمنفى ، حين عادوا وتعرفت عليهم شككت في حقيقة انهم هم انفسهم الذين كنت اقرأ لهم ، محمود درويبش ذكي جدا فهو يعرف تماما ، ان الظهور في المقاهي بسبب تلك النظرة العادية لشعره ، معه حق في ذلك ، واعتقد ان ظهور سميح القاسم السهل في المنابر والامسيات وسرعة وسهولة الوصول اليه سبب بهوت وخفوت التجاوب مع ما يكتب ، الاختباء الفيزيائي ضروروي للكاتب تخيلوا مثلا ان محمود درويش جالس في مقهى رام الله مع مهيب البرغوثي ، يتصايحان في نقاش صاخب حول قصيدة النثر، ويضربان بعضهما مزاحا ، ويضحكان بصوت عال ، سيتحول درويش بعدها شعرا وانسانا الى كأس شاي صباحي نشربه بملل واعتياد شديدين، بلا طعم.

س6 وأنت معلم ومربي للمرحلة الإعدادية ، وقاص تمتلك من أدوات اللغة ما يجعلك اباحيا بعض الشيء ، ألا تشعر بتناقض إزاء ذلك ؟
ج -بالعكس تماما يا ايمان ، فانا اشعر اني احقق بذلك ردا طبيعيا على الشخص الرتيب الذي امارسه مضطرا لاعيش ، في نصوصي انتقم من زياد خداش المطيع العادي الذي يستجيب للاوامر ، ويأتي الى المدرسة في اوقات محددة وهو الذي يدعي انه ضد التحديد والتعين والتأبد ، تستطيعين ان تقولي انه لم اكن مدرسا لكانت لغتي اكثر احتشاما ، ان مهنتي الرتيبة تحتم علي ان اسافر ذهنيا الى ابعد منها واعمق ، ثم اني لا انتقم فقط بالكتابة من مهنتي ، انا اقوم بتدريس طلابي اساليب حب اجسادهم واحترام مشاعرهم والاصغاء باحترام لصوت الرغبات فيهم ، اين التناقض ؟؟ بالعكس انا احس اني سعيد بمهنتي احيانا لانها تيح لي ان استغلها للوصول الى الاذهان الغضة ، وزرع تعاليم العصيان المجنونة هناك في التربة الطرية ،
ثم ما هو مفهومك للاباحية ، ؟؟ هل الحديث عن الجنس اباحية ؟؟ ابدا انه واجب وضرورة ،علينا ان توضح لطلابنا وابنائنا ما هو الجنس ؟؟ ولم هو لذيذ وضروري وانساني ، وذلك قبل ان يعرفوه من مصادر مشبوهة ومنحرفة .

س7 لو طلبت وزارة التربية والتعليم من زياد خداش إضافة نص واحد من نصوصه الأدبية لاعتماده كجزء من مقرر مادة الأدب فأيها ستختار؟
- اولا لو حدث ذلك فساكون متاكدا اني احلم ، ساجيب على سؤالك وكأنه حلم بالقول ان الوزارة لن تجن وتفعل ذلك حتى في الحلم ، ساحلم اني اختار نص دوائر اختي الناقصة انه حميمي وانساني وعميق وحزين ، اعتقد اني خذلتك يا ايمان، فأنت كنت تتوقعين ان اختار نصا اباحيا ، اليس كذلك ؟ هاهاها ، هذا هو انا احب ان افاجيء دائما محاوري بعكس ما ينتظر .

س8 في نصك( امرأة ومدينة ) خلطت أوراق التاريخ وعصفت بالموروث وكأنك تبحث عن شمس الحقيقة فهل وجدتها ؟
ج- في الفنون نحن لا نجد حقائق ، نحن نجد اسئلة ، الاجابات والحقائق تجدينها في العلوم والجغرافيا مثلا والرياضيات ، الفنون تأخذنا في متاهات حلوة الى عوالم اخرى مصنوعة من زبد ورمل وغيوم ،كأننا نحلم العالم ، لا نعيشه او هو يحلمنا ، لو وجدت هناك جوابا وحقيقة لما كنت قد كتبت نصا ،
س9 ماذا تعني الأسماء التالية لزياد خداش
1ـ ابن رشد
ج- ابن رشد هو استاذ في العصيان والتفكير المختلف وهو اول من نادى بعدم الخوف من الفلسفة ، واعتبرها لا تتناقض مع الشريعة ، وانا احترمه واحبه واتخيله دائما غارقا في كتاب ، معروف عنه انه لم يتوقف عن الكتابة ابدا الا في ليلتين : ليلة زواجه وليلة موت ابيه ،

2ـ نادية انجومان
ج ـ نادية انجومان : هي جرح في قلبي ، مفتوح دائما ، احس اني عرفت هذه المراة في زمان بعيد ،
ارتعبت من قتلها على يد زوجها المتخلف ، فقط لانها كانت تكتب الشعر ، امضيت اشهرا وانا احاول ان افهم هذا المبرر لموت فظيع ، لم اصل لشيء ، فقط كنت اتألم واتألم .

3ـ مصطفى خداش
ج ـ أبي : هل قلت ابي ؟؟ اعتقدت انك قلت سببي ،

0 التعليقات:

إرسال تعليق