حوار مع زياد خداش :اوسلو قادتني الى حواسي

زياد خداش: اللواتي هاجمن قصصي أقترح عليهن ألا يقرأنني.
حين أتت أوسلو الينا بكل محمولاتها من خيبة وضياع وسذاجة انتبهت الى أنني أمتلك حواسا
حاوره توفيق العيسى:
رام الله
● ● ●


هل أنت مشاغب؟! اذا كانت الاجابة " لا" فلماذا تحيا أو تدعي انك حي , عند الموت تتساوى جميع الكائنات – وهذا أمر طبيعي – اما اذا تساوت في حياتها , في ممارسة فعل الحياة فتلك مأساة!!!
هل أنت مشاغب؟! أجاب الروائي مكسيم غورغي على لسان بطله في احدى رواياته "ان المحرومين من متعة التسكع في الشوارع لم يتذوقوا لذة الحياة"
هل أنت مشاغب؟! طرحنا هذا السؤال و غيره على الكاتب والقاص ( زياد خداش) فأجابنا بنعم الثقة وليس التأكيد, فعلى امتداد اعماله القصصية ونصوصه الأدبية – المطبوعة و المنشورة في الصحف- مارس كاتبنا فعل المشاغبة, فعل الحياة فكان له أنصاره وأعداؤه ممتشقا سيف الفضيحة – على حد تعبيره- خارجا على نصوص العشيرة,هازئا و ناقدا لها /لنا, باحثا عن مكنونات نفسه في التفاصيل الصغيرة ,تفتح زهرة , ضحكة فتاة , صلاة أم, وفي ليلة غجرية ماطرة , ولأننا نعرف مسبقا أن أجوبته ستكون مشاغبة حاولنا أن نكون مشاغبين أيضا ونطرح أسئلة مشاغبة كي نتأكد هل ما زلنا أحياء أم لا؟!
* ما قصتك مع المرأة؟!
- قصتي مع المرأة هي نفس قصتك معها , هي قصتنا جميعا لكن الفرق بيني وبينك وبيني وبين الآخرين هو أنني أعلن قصتي أنشرها أستمتع بروايتها بينما أنت والأخرون تخفونها تعيشونها سرا, أشعر أنك تسألني ما قصتك مع الحياة ؟! مع طبيعتك مع كونك كائنا حيا , قصتي هي قصة رجل يعيش الوحيد الذي لا ينطبق عليه سؤالك هو الرجل الميت, ما قصتك مع المرأة؟! واو.... حمدا لله سؤالك يطمئنني ، فأنا ما زلت حيا و الدليل على ذلك أنك تسألني ما قصتك مع الحياة عفوا أقصد المرأة
* وصفك البعض بالمشاغب و على ما أذكر هوجمت احدى قصصك في مؤتمر ابداع المرأة , فالى أي مدى أنت مشاغب؟ و لماذا هوجمت قصصك في المؤتمر خصوصا من النساء؟
- الى أي مدى أنا مشاغب؟ ياله من سؤال رائع , أعود الى سؤالك الأول :ما قصتك مع المرأة , ان كاتب الحياة – اذا صح انطباق هذه الصفة على تجربتي- يجب أن يكون مشاغبا فالرجل الذي قرر امتشاق الفضيحة سيفا مجنونا في وجه نذالة الحواس ونفاق الروح لا يمكن أن يكون مطيعا ومفهوما وساكتا ,كلنا يجب أن نكون مشاغبين , على فكرة أنا المدرس الوحيد في العالم الذي يحرض طلابه على الشغب , هناك طالب "عاقل" اسمه محمد عاقل الى درجة الرعب أساله أحيانا يامحمد ألا تشتاق الى رؤية شيء يتكسر؟! كيف لا يفرحك أن ترى اللوح مشروخا ؟! ألم تجرب مرة واحدة متعة أن تفتت الطباشير وتنثرها على طاولة المدرس ؟! أين الطريق الى طاقة التدمير الرائعة فيك ؟ كيف تعبر عن الهمجية الانسانية فيك؟ لا يجيب محمد , الطالب العاقل جدا حتى رموشه لا ترمش وكأنه يخاف على نظام الهواء منها!! الشغب مرافق للصحة النفسية , الكتابة هي نفسها فعل شغب الحياة نفسها مشاغبة تخرب ذاتا وتدمر انجازاتها وتكسر قوانينها.
أما اللواتي هاجمن قصصي في مؤتمر الابداع النسوي الذي عقد العام الماضي في مدينة البيرة فأنا أقترح عليهن أن لا يقرأنني, لماذا لا يرحن أنفسهن مني ويلقين بقصصي الى القمامة . في القمامة ستكون قصصي أسعد حالا فهناك كل شيء حقيقي ومتصالح مع نفسه هناك تقول لك القذارة" أنا قمامة" لكن الأذهان الخربة والفاسدة تقول لك "أنا الحضارة" ان الخوف من الذات هو أنذل و أردأ أنواع الخوف , أنا أتفهم أن يخاف الانسان من المرتفعات ,من العقارب من البحر لكن يخاف من نفسه من حواسه من ظلماته فهذا شيء غير طبيعي!! أنا شخصيا لعبت الحياة جيدا , ان مفتاح السعادة موجود في البحث داخلنا عن " أطلنطا " أعماقنا المفقودة السعادة ليست في الوصول الى القارة الضائعة بل في عملية البحث نفسها في رحلة الأوهام الجميلة في ارتكاب جرائم المخيلة السعيدة ثمة كينونة أخرى تنتظر كل باحث عن أعماقه، كل حارث في تراب ظلماته ، ثمة عذرية فاتنة هناك ، فيها الكثير مما يؤكد بشريتنا وجمالنا العادي, المدهش في عاديته وتفاصيله الخفية. اللواتي هاجمنني يخفن من فريضة التصالح مع الذات من رحلة البحث عن قاراتهن التائهة , ان ذلك يؤدي الى الرذيلة وهذا محظور ويؤدي الى النار والفضيحة, نار الله المستعرة وفضيحة العشيرة الفظيعة بالنسبة لي أنا أعدمت فكرة العشيرة أما نار الله المستعرة فأنا لا أخافها لأنني أعلم تماما أن الله الحبيب و الجميل يفهم تماما سر حماسي في البحث عن "أطلنطا" أعماقي فهو خالقي ومالك مصيري ومبدعي انه الأعرف بمدى نبل شوقي الى المجهول ، بمدى حرارة وفائي لطبيعتي الحرة وطزاجة مشاعري
* البطل عند خداش هو الرجل الراوي دائما والمرأة هي المتحدث عنها لم لا تكون المرأة هي الراوية؟
- هذا سؤال جميل جدا أساله لأول مرة وأشكرك عليه , ان الصدفة وحدها هي التي خلقتني ذكرا لو كنت أنثى لكنت انا الراوية في قصصي , الموضوع فقط موضوع صدفة لا موقف, أنا أستمتع في استخدام ضمير المتكلم أيما استمتاع فهو يعطيني مدى أدفأ وأكثر حميمية في البوح , يجعلني أشعر أني أصلي أو أسافر كأني أركب قطارا ( بالمناسبة هذه امنية قديمة لم تتحقق بعد ) وأقرأ الجبال و الأشجار الهاربة خلفي , ثم أنني لست امراة حتى أكتب بضميرها , كم أكره الروايات والقصص التي تكتبها كاتبات بضمير الذكر المتكلم ,أحس بذلك هروبا من استحقاقات الاعتراف والانكشاف المطلوب في السرد الروائي
* المرحلة السابقة انتهت وعلينا أن نكتب بأسلوب آخر ومواضيع أخرى , هذا كان مضمون حديث لك نشر في جريدة الحياة الجديدة , هل المرحلة السابقة انتهت فعلا؟
- نعم انتهت بالقدر الذي يسمح لي ككاتب بتغيير عدسة المنظار , بعد أوسلو طرأ تحول ملحوظ في اسلوب المواجهة, ان الحديث عن أهمية استمرار المقاومة المسلحة كحل أوحد للصراع يعتبر سهلا جدا وسيجد أنصارا كثر هذه الأيام , أنا لا أتحدث عن دراسات قرأتها أنا أتحدث عن شعور قوي شعرت به حين أتت اوسلو الينا بكل محمولاتها من خيبة وسخرية وضياع وسذاجة , فجأة انتبهت الى أنني أمتلك حواسا كانت معطلة منذ سنين , فجأة أدركت أن ملامح الجندي الاسرائيلي على الحاجز تكفهر وتشحب حين يعرف أن لدي في رصيدي الابداعي أربعة كتب ، وأنني ذاهب الآن لأمارس الجنس الغرائبي مع صديقتي الفلاحة المثقفة , حدثني صديق لي أنه استطاع أن يدمر ملامح وجه جندي اسرائيلي في رام الله أثناء عملية الاجتياح الشهيرة في العام 2002 اذ وقف الجندي على الرصيف مشهرا رصاصه وفي لحظة غير مدركة لأول وهلة شدت حبيبة صديقي صديقي من ياقته وهجمت على شفتيه في قبلة حب وتحدي غابت الشفاه الأربعة في ضباب الجسد لمدة ثلاث دقائق كان وجه الجندي خلالها يموت ألف مرة , أريد أن أقول أن تعلقنا بالحياة لا يغيظ الأعداء فقط انه يؤكد لهم أن سياستهم الاستراتيجية في تعطيل وتشويش حياتنا قد فشلت تماما وأن شعبنا لايمكن أن يهزم
* في لقاء معك نشرقبل عام قلت أنك ان لم تكتب روايتك فستنتحر, والآن بعد عام من تهديدك هل تقترب نحو الانتحار أم أننا نقترب من قراءة روايتك؟
- أنتم تقتربون من الرواية ومن انتحاري في آن معا فأنا أكتب رواية انتحارية بالمعنى الشرس و العبثي للكلمة رواية قد تكون ضعيفة فنيا لست أدري فهذا يقرره القراء والنقاد , لكني سأحاول أن أقول فيها ما يقوله الناس في الظلمة همسا , أن أطابق ما بين المصطلحات وأفعالها ، ما بين الكلام وممارسته ، ما بين الصورة وظلها وهكذا ان الوصول الى هذه الحالة هو الجنون أو الموت بعينه ، فالمجنون فقط هو من يفعل ما يحلم به , هو فقط من يستجيب لنداءات جسده وروحه دون أن يحسب حساب أحد ، أعتقد أن هدف الرواية يجب أن يكون هنا في تفجير الأعماق وتحطيم السدود ما بين الاحلام والافعال .

0 التعليقات:

إرسال تعليق