الى مستوطنة اسرائيلية: هل تعرفين حقا معنى كلمة شجر؟؟

الكاتبة الاسرائيلية امونة الون: مساء الخير من مخيم الجلزون المجاور لبيتك في مستوطنة بيت ايل، هل فوجئت؟

نعم سيدتي، لسنا مجرد راشقي حجارة ومقاومين ، وطوابير طويلة وشاحبة تنتظر معلبات وكالة الغوث ، واطفال حفاة ، وازقة موحلة، هناك فنانون مسرحيون، وطلبة جامعيون ورسامون و كتاب وادباء في مخيماتنا. امونة: قرات مقالك اكثر من مرة ولو لم اعرف انك من سكان بيت ايل ،لما كتبت اليك هذه الكلمات ، فقد استفزني وجودك على بعد خمسمئة متر من بيتي، حيرني حديثك عن الشجر والسقاية والشرفات والغرس، والازهار، واغاظني حديثك عن شجرة غريبة، اسمع بها لاول مرة، اسمها شجرة البوجنفيلا، سألت عنها مهندسا في وزارة الزراعة فاجابني انه يسمع عنها لاول مرة ، سألت عنها جدي الطاعن في هرمه: فاجابني: تكلم معي عربي يا ابني، سألت في الشوارع والمقاهي والجامعات واتصلت بصديق اردني ولم احصل على اجابة، اخيرا سألت صديقتي سمدار بيري، فاجابت، نعم هي شجرة ازهار، فسألتها: اين موطنها الاصلي ؟

فقالت انها لا تعرف وان بامكاني البحث في الانترنت، كم اشعر بالحزن على شجرة البوجنفيلا هذه فهي بالتاكيد تعيش نفس الغربة التي عاشتها شجرة النخيل التي انتزعها المغاربة العرب من المغرب ليزرعوها في الاندلس وهناك سموها الغريبة، اشعر انني ساموت لو لم اكتب اليك عن دهشتي وحزني ومرارتي وغضبي، تقولين انك منذ اثنين وعشرين عاما تسكنين بيت ايل، وانه يعز عليك ان تغادري بيتك في مستوطنة بيت ايل وانك على استعداد للمخاطرة والبقاء كمواطنة فلسطينية هنا، على ان ترحلي عن بيتك واشجارك وازهارك وشرفاتك، يا حرام يا امونة ! كم انا متعاطف معك! فانا اشبهك تماما، فقد كان لي بيت وبيارات واراض كثيرة هناك في مكان بعيد اسمه يافا، هل تعرفينه؟ ابحثي في محرك بحث يا امونة على الانترنت وستندلع من الحاسوب الاف البرتقالات، والاف الاجداد والجدات، ستطير امامك الاف البيوت وستقفز الاف المعاول والمناجل، والاف الشتاءات الحميمة و الدافئة، الاف السنين عشنا هناك، مهلا لن تجرني البلاغة الى الحنين المعهود والبكاء على االماضي، لست بصدد كتابة قصائد شعر هنا، و لن اخوض في حرب التواريخ يا امونة، لن اتورط في نقاش قديم جديد ، شبعنا حديثا عنه، وحلما وحنينا، وعناد، اكتب اليك هذه الكلمات فقط لاقول لك : هل عرفت الان معنى كلمة رحيل قسري عن بيت وشرفة وحديقة؟ بيت مليء بالضحكات والاسرار ، والعاب الاطفال، شرفة مطلة على شجرة عالية، تصل ثمارها حتى الغرف، وخلاء واسع ، وضباب صيفي رهيف؟ حديقة مترعة بالصفاء والالوان، هل تذكرت الان يا امونة المعنى الحقيقي الواقعي، لكلمة ترحيل؟؟ الم تهجم على مخيلتك قصص الترحيل الفلسطيني المرعبة عن بيوتهم واشجارهم؟ الم تتفاجأي بيد خشنة وقوية لعجوز فلسطيني تخرج من التراب غاضبة وحزينة وانت تسقين شجرتك او تغرسين شجرة جديدة؟؟ لو احسست بوجود هذه اليد فهذا اقوي دليل على صحوتك يا عزيزتي.



الم تشعري بذنب او حرج مع نفسك حين تخيلت نفسك تقتلعين من ارض وبيت عشت فيهما اثنين وعشرين عاما؟ في حين يعيش جيرانك اللاجئون في مخيم الجلزون مقتلعين ، عن ارضهم وبياراتهم ،؟ تماما كما ستقتلعي انت عن ارض تعتبرينها ارضك؟ ومن تاريخ تعتبرينه تاريخك .



اذا كانت الاثنتان والعشرون عاما تجعلك مستعدة لبيع هويتك الوطنية وسيادة دولتك السياسية لصالح دولة عدوة ، وتجعلك متوترة وغاضبة ومرعوبة بهذا الشكل ، فهل تتخيلين رعب وخسارة والم الشخص الذي تم اقتلاعه من ارض عاش عليها الاف السنين؟ حدقي في المشهد يا امونة ، حدقي بقوة وعدالة بعيدا عن جنون التاريخ وشراسة النشيد ،الا تشعري برغبة في البكاء ، في الندم ، في طلب السماح من الله او من المخيم او من الشرفات والعتبات الفلسطينية القديمة التي تهدمت وتحولت الى قبور؟ ؟ الم تشتاقي لاعتراف امام نفسك، نفسك فقط بعيدا عن حكماء الشر والخوف والظلام ، هيا امونة اذهبي لتسقي شجرتك المغتربة ، فهي عطشانة ووحيدة، ضعي يدك على كتفها واخبريها بحزن بالغ ممزوج بالدموع : بانها ستعود قريبا الى موطنها : الى تل ابيب ، فهناك ستتحرر من الاغتراب ، لتنضم الى عائلتها العتيقة , مابالك تنحنين على جذع الشجرة يا امونة ؟ اراك تهمسين لها ، اه انت تعتذرين لها عن قسوتك تجاهها ، عن سجنها في في ارض ليست ارضها ، في هواء ليس هواءها، في تاريخ ليس تاريخها .



تقولين في مقالك : اقيمت بيت ايل على جبال وعرة لم يستعملها الفلسطينيون حتى للزراعة، ولا يوجد فلسطيني يشتاق الى العودة الى هنا،



لقد اخطأت سيدتي ، انا اشتاق مع اقراني الى تلال بيت ايل ، فقد كانت تلالا اثيرة لنا نركض فيها خلف غزلان شريدة ولذيذة، او هي التي كانت تركض خلفنا احيانا هكذا يخيل لنا . امر يوميا اثناء عودتي من رام الله الى المخيم عن بيت ايل واتذكر تلك التلال المسالمة والصامتة و العالية المشرفة على وديان غاية في الروعة والود والغموض، وديان تفتح ذراعيها لنا نحن الصغار لنجوس في عتمتها القليلة ، باحثين عن فضاء واسع ونجوم قريبة وعيون ماء باردة وصافية بعيدا ، عن سماء المخيم الملبدة بالقهر والذباب والغبار والمياه الملوثة،



اراك الان يا امونة من خلل نافذتي المطلة على بيتك وشجرتك ، اراك تجلسين تحت الشجرة ، كانك تصلين او تغنين ، اغنية الوداع الاخير لارض عشت عليها اثنين وعشرين عاما ، على الاقل انت معك الفرصة لتغنين او تصلين، نحن لاجئي مخيم الجلزون لم نمنح حتى فرصة حزم حقائبنا ، فقد هبت رياح الترحيل بفظاعة لا مثيل لها في التاريخ ، فيما بعد ، غنينا ، وبكينا وصلينا . اراك الان ، تقتربين من السياح الذي يفصل المخيم عن المستوطنة ، تصرخين علينا بكامل خجلك وانشطارك و قدرتك على الصراخ ، معتذرة ونادمة وطالبة السماح من بشر اقتلعوا من تاريخهم الشخصي والوطني ،



امونة : لست ممن يدعون الى ابادة اسرائيل، انا مع دولتين لشعبين ، مع سلام عادل وحل واقعي ، مع تعايش حقيقي قائم على العدل والضمير ، هل تتصورين خطورة ان يطرح لاجيء فلسطيني هذا الرأى؟



لن اضطر لرفع علم فوق بيتي كما ترغبين انت حتى تراه رام الله المجاورة، فمجرد وجودي هنا في المخيم هو علم ارفعه كل يوم ، الوح به امام ضميرك انت ، عله يصحو من نومه الطويل



ملاحظة مهمة: كتب هذا المقال ردا على مقال للمستوطنة الاسرائيلية في جريدة معاريف الاسرائيلية تقول فيه بما معناه انها ستحزن جدا جدا اذا اجبرت على ترك مستوطنتها بسبب العلاقة الحميمة بينها وبين ورد حديقتها

24-7-2005

0 التعليقات:

إرسال تعليق