رسائل إلى شاعرات غزة- اكسرن عيون الظلاميين بالقصائد

منال-

صديقتي، كل ما أحب أن أطمئن عليه هو دفتر مذكراتك، هل ما زلت تحتفظين به في الحديقة هناك تحت الشجرة؟؟ حلمت أنك تخرجين في عمق الليل، تنبشين التراب، تخرجين الدفتر وتكتبين جملة ثم تعودين، يحرسك القمر ويدشن خروجك الله الحبيب، هل صحيح أن الظلاميين هددوا نساء غزة بالتفتيش في أحلامهن عن الورد والرجال والكتب والعطور والشعر والأنهار، سمعت أنك تسمعين في الليل وقع أقدام همجية تتربص بقصائدك التي تحلمين بها، أغلقي الباب بنار قصيدة، أحكمي الإغلاق بالكتب والأطفال والأغاني ونامي وأنت ترقصين. ها هم ينسحبون من حول الدار، مجللين بالخوف والنحول، هم لا يملكون إلا البنادق والظلام، أنت لديك أصدقاء كثر: الخروبة في طرف الحديقة، نافذة صغيرة تطل على طفل الجيران الذي يحبك.

منال، لديك ثلاثة خيارات لتكسري عيونهم: أن تكتبي أو تكتبي أو تكتبي. املئي الجدران كلمات وأشعاراً ورسوماً، يا ألله، كم هي الكتابة عدوتهم ومعريتهم ومسممتهم وكاشفة ضمورهم.



سمية


هاهم قادمون يا سمية، أسمع أقدامهم من هنا من روابي رام الله، لأقدامهم رائحة أنفاس هولاكو، ملمس عيون نيرون، عدمية افعى تمشي باتجاه نزهة طلاب رائعين أو أغنية لطفلة خجولة في حفلة مدرسية، جهزي الكلمات حدائق أو أطفالا، ارصفيها سيلاً من الغضب وفيضاً من الأماني الحزينة المقاتلة، انتبهي سمية الشباك مفتوح، والله قلق وحائر، كم هو جميل في حيرته، إن دقوا الباب بعد قليل، قولي لهم: أعرف من أنتم، أنتم أسوار العقل، قتلة الحلاج، كارهو القصائد، أعداء الضحكات، مدمنو الجنازات. لا تفتحي الباب يا سمية، يليق لهم أن يكسروه كما كسروا حلمنا، دعيهم ينسجمون مع طبيعتهم، ان لم يكسروا ويحطموا فهم ليسو هم، يليق بهم أن يحطموا النوافذ كما حطموا الخارطة، واستبدلوها بأوهامهم الخضراء الميتة. اذهبي إلى المكتبة، احضنيها، خضبي عينيك بها، سيلي فوقها، اغتسلي بها، نامي فوقها، غيبي فيها، هي تعويذتنا، ونبوءتنا، وبوصلتنا، وحلمنا، ومعسكرنا، وميناؤنا، هي أمننا وملاذنا وصديقنا، هي نقيض من يخبط الباب بقدمه الآن، أعداء المكتبات هم. ساكنو الكهوف المرتعبون من فرح المدن القريبة.



نهيل



لماذا أنت قلقة؟ أنت شاعرة، يعني أنت قوية، لديك حصانة ومهابة الشعر وكبرياء المخيلة، دعيهم يحكمون الحصار حول جسدك، جميل ان تمضين وقتك في غرفة صغيرة امام صورة ارثر رامبو؟ مالذي تتحدثين به لهذا الشاب ذي الملامح الاجنبية الطفلية؟ تسألك امك مندهشة؟ هذا انا يا امي، تجيبينها دون ان تزيحي نظرك عنه، تضحك امك، تغادر الغرفة، اطمئني نهيل فدائماً ثمة مخرج هادئ ووفي وجانبي للشعراء والشاعرات اسمه المخيلة، امشي باتجاه الله أو المدينة الأخرى أو الحبيب الساكت أو النص المقبل، ابتسمي، فهاهم يستغربون صمتك وابتسامتك، يريدون أن يقبضوا على رعبك فلا تعطيه لهم، أعطيهم نصك القادم واصرخي في وجوههم: عاش صفاء القصيدة، عاشت غزة الحرة، هم جاؤوا ليروا صورتهم في خوفك، فهيا ا كسري مرآتهم، اكتبي نصك الآن على ضوء عارهم. أترين نهيل: هاهم يتسربون مثل ماء المزراب الأول، تطاردهم أوراق ديوانك المعد للحياة. ولعنات مزهريتك، انظري سقوطهم العكر، آه كم هم بائسون!. ألا يعرفون أنهم منذورون للسقوط منذ جاءت بهم فراغات المرحلة وفجواتها.؟



دنيا



أطفالك وصور أصدقائك الرائعين الذين أحبوك ولم يجرؤوا على الاعتراف، خضرة عينيك القاسيتين، ديوان قادم ينتظر الولادة في رام الله، هؤلاء هم حلفاؤك يا دنيا فكيف تخافين طرقاتهم، وأصواتهم الغريبة؟؟ وحين يسألك أطفالك الخائفون: من الذي يطلق النار يا أمي على نوافذنا؟ قولي لهم: إنه صوت الرعد يا أبنائي، يأتي قليلاً ويغادر، قريباً تشرق الشمس، أغلقي النافذة فقط، بهدوء أغلقيها، لتختنق رائحتهم، اسكني الكتب.

ينتظرك النفري على الطاولة عند شواطئ الصفحة 59، جاك لندن يستدعيك من غبار رف سفلي قديم، لوتريامون وسرفاتيس تطوعاً لنجدتك، ها هما يطرقان قلب غرفتك فاستجيبي دنيا، ستضحكين كثيراً على حكايات دون كيشوت المجنون وسيضحك أطفالك وستخرس الطلقات، هيا دنيا استرجعي أشباح أمسيات صاخبة محبة لمهرجان أغان قديم، هل تذكرين؟ حين حطت على رموش قلبك نسور صيف رام الله الخطير: علمي أطفالك كيف يصنعون غزة الجديدة من هذه البداية: في قهوة على المفرق---------



فاتنة



اعرف أنهما حصاران، حصار القبيلة وحصار الظلام، كما أعرف أن عينيك من الاتساع والتسامح والذكاء والعمق بحيث تخبئان فيهما كل فستق وتفاح وطراوة وطيبات العالم. فاهبطي نحو عينيك فاتنة، اهبطي سريعاً واكتبي هناك نص العينين السماويتين المخنوقتين والقبيلة المتزاحمة على الدم والمقرات والرعب. حين يا صديقتي يتعب الظلاميون والقبائليون قليلاً من ظلماتهم ( هل يتعبون؟؟) أطلي قليلا من فوهة عينيك وقولي للأصدقاء سلاماً، سلاما متألما، مثل نهاية قصيدتك الاخيرة، ثم عودي إلى أرض عينيك. واختبئي في جنة الشكوك.



أسماء



غزة تنتظرك، فارجعي أسماء ارجعي، محملة بالنصوص الجديدة وصور المعابد البوذية وأسماء الأصدقاء الذين لا يشبهوننا، ولكنهم مع ذلك رائعون، إنهم بشر مثلنا، على مدخل غزة لا تمدي لليد السوداء الممدودة جواز السفر، انظري وجهه، كم هو مستعد للانقضاض على اي شيء طري ومتوثب وعميق ويانع وحقيقي وبريء، هذا هو دوره، هو مربى على هكذا احساس، ان يطرد كل ما يدعو الى التأمل والابداع و التجريب والتنوع والتجاور والتعايش، ها هو ينظر بامتعاض مبكر الى حقيبتك، في ذهنه الجاهز للغضب والمعبأ باليباس والمرارة والاستياء ثمة صورة لك، صورة مكتملة، فأنت غير محجبة وجميلة ، يعني هذا انك مهيأة لنكوني ضحيته، وخيانة عتمته، هكذا علموهم في البيوت والمجالس والمدارس: اياكم والاقتراب من المتنزهات والامسيات الادبية ومعارض الفن التشكيلي، والاغاني وكتب التراث، وحكايات الجدات الفاسقات، والروايات، اكرهوا القصة القصيرة، فهي امارة بالتعدد، امقتوا قصيدة النثر فهي شتيمة للفضيلة، عانقوا الجدارالاخرس، لانه الوحيد الذي نرى فيه مرايانا ومستقبلنا، لانه الثابت، فنحن ابناء الثبات، تذكروا: كلما رأيتم فكرة متحركة اشنقوها. هيا اسماء، مدي له نصاً لك مثقلا بالاصوات والشخصيات المختلفة، او رواية الجبل السحري لتوماس مان، او صورة لك مع امبالي وزييو، سترتبك اليد، ستغضب، وقد تمتد نحو خدك الطفلي صارخة في دهشتك : لماذا تحملين في حقيبتك صوراً لكائنات وأماكن لا تشبه كائناتنا وأمكنتنا؟ ، ستحاولين أن تقولي له بصوت دامع مستغرب: هؤلاء بشر مثلنا، ستتضخم صيحته: لا بشر مثلنا، نحن مميزون، لا أحد يشبهنا، نحن الأصل وهم الظلال، لماذا ذهبت إلى هناك؟، ليس في العالم سوى هنا، تتابع صيحته عواءها. هنا تكتشفين أنت سر هزيمة الأمة، تتذكرين طريقة كيتسو الكورية في الضحك، طريقة غريبة لا تشبهها طرق، إنها تهز جسمها كله وترفع يديها إلى السماء كأنها تصلي بينما فمها يمتلئ بالكلمات الواقفة على الحواف، ثم تنخرط في بكاء مرير، تقولين لنفسك بينما تتحسسين تمثالاً لبوذا في الحقيبة: العالم هو هنا وهناك، هو أصوات مختلفة وألوان كثيرة وضحكات وثياب غريبة، ومذاق آخر لشاي رائع لا يشبه شاينا، متى تفهمون أيها الضيقون؟. شقي طريقك باتجاه غرفتك القديمة وابنك الجميل، عانقيه بقوة، وبللي أذنه بموسيقى مختلفة آتية من مكان آخر في عالمنا الكبير. قولي له إن ثمة إيقاعات أخرى غير الطبل، ارفعي صوت الموسيقى الغريبة، اكسري بها رصاصهم الجاهز، ارقصي مع ابنك رقصة التنقل من مكان الى آخر سيفهم حينها ان الحياة اكثر من مكان واكثر من فكرة، ثم نامي بهدوء.


16-10-2007
رام الله

0 التعليقات:

إرسال تعليق