عن موت الشاعرات والرجال الرائعين

عن موت الشاعرات والرجال الرائعين- هذا النص يتجاوز مناسبته فالشعر والفن في بلادنا اليابسة على موعد مستمر مع الخنق ماديا ومعنويا
***

ماتت الشاعرة الأفغانية نادية انجومان قبل موت المخرج العربي مصطفى العقاد بثلاثة أيام، ما الذي يجمع بين نادية ومصطفى؟ لماذا اشعر انهما صديقان؟ رغم مكر الجغرافيا وعنجهية الحدود المادية ها هما يسيران الآن على درج من ضباب شديد البياض، متجهين صوب الصمت الأبدي، بعد قليل سيقول مصطفى لنادية كلماته الاخيرة قبل ان يغيبهما سكون فاتن: أنا أحب شعر المرأة الأفغانية

بالذات لأنه لا يخون فقط عقل العالم.. انه يخذل توقعات الذهن المحلي المستبدة والمترهلة والمعطوبة، بعد قليل سترد نادية على مصطفى: أنا أيضا أحب فنك السينمائي، لأنه يوصل حضارتنا إلى العالم، ويقرب العالم إلينا، ويقطع الطريق امام المشوهين والمرضى.

ماتت نادية بلكمات مميتة سددها لها زوجها لسبب لا نعلمه، مات العقاد بشظايا انفجار في بهو فندق اثناء مصافحته لابنته ريما، الظلاميون في كل مكان لا يحبون السينما والشعر، ويبدو أن معهم حق في ذلك، إذ كيف يحب المريض الشمس والمطر والموسيقى؟!! الذهن المريض يعشق العتمة لأنها تعطيه المبرر للوهم، ولأنها تخفي اللوحات الجميلة للطبيعة من غيوم مشاكسة وطيبة قريبة من شباك غرفته في الصباح المطير، وهو يحب الغرف المقفلة بإحكام لأنها تبعد عنه صوت العصافير والأطفال في حارته التي يرفض ناسها وحجرها وطيورها. كلاهما أي السينما والشعر فنان خطيران يسلمان الى الحقيقة، حقيقة أجسادنا وذهننا، والظلاميون لا يحبون الحقيقة، لأنهم مفطورون على مخيلات محدودة الدلالات، مجرمة فقيرة الهواء، خالية من جماليات القلب البشري، هل شاهد قتلة مصطفى العقاد فيلم "الرسالة" او فلم "عمر المختار" حين كانوا صغارا في المدارس؟؟ هل ارتعشت أضلاعهم وقلوبهم أمام بطولة الرسول الكريم وهو يتعرض للمضايقات والموت والخيانات والملاحقات؟؟ هل بكوا حين اعتقل المستعمرون المجاهد عمر المختار في أحراش وجبال ليبيا العربية؟ هل خفقت ارواحهم حزنا وقهرا وحبا، حين أعدموه أمام آلاف الناس المتأثرين؟؟ يغيب الآن مصطفى في بياض الصمت، كذلك نادية تدخل كينونة السكون، لم يمت العقاد على يد المستعمرين والصهاينة كما يجب ان يموت!! هؤلاء هم اكثر الناس تضررا من ذهنه ورؤيته وإخلاصه، بل مات ويا للمفارقات على يد ذهن متخلف، طالما حذر منه العقاد بشكل ضمني من خلال مواقفه و تصريحاته حول ضرورة ان نوصل رسالتنا الحضارية للعالم، وان نقدم للبشرية اسلامنا في حقيقته الجوهرية بعيدا عن التشنجات والأوهام والمزايدات والشعارات والبلاغة الجوفاء، وكأني بأعداء الجمال ينتقمون بقتل العقاد من رسالة العقاد ومفاهيمه وتقدميته، فحامل رسالة العرب االحضارية عبر اخطر الفنون وهو السينما يموت على يد اعداء الحضارة عبر اجبن وارخص وأنذل الرسائل.

يا نادية انجومان يا أجمل الشاعرات، واشف الكائنات، في أكثر بلاد العالم فظاظة وعتمة، لم يقتلك زوجك فهو مجرد صورة او رمز او أداة، بل قتلك تاريخ بلادك الموغل بالدموية والقبائلية والخوف والمرض والوهم، لم يقتلك زوجك يا نادية، فهو ميت قبلك، هو محض شبح يتجول في البيوت على هيئة رجال صفر الهيئة يبحثون عن الضوء ليعتقلوه، وعن الطير ليخنقوه وعن الله ليستجوبوه، وعن الشعر ليعدموه.

مصطفى، نادية سامحاني لاني لم استطع ان افعل شيئا لكما، فانا محض كائن حزين لا يتقن سوى الكلمات، أنتما كائنات من غيوم، وشتان ما بين الكلمات والغيوم، فالغيوم طريق الله الى الناس اما الكلمات فهي طريق الناس الوهمية الى الله...

15-11-2005

0 التعليقات:

إرسال تعليق