غضب البدلاء- حكايتي مع المحتال زياد خداش

آن الأوان لأن أعترف لكم بأن اسمي الحقيقي ليس زياد خدَّاش، وآن الأوان لأن أبوح لكم بسري الأكبر: لست كاتباً، أبداً ولن أكون، أنا مجرّد موظف أو بديل عند شخص اسمه زياد خدَّاش، تعرفت إليه صدفةً أثناء تظاهرة عنيفة ضد الاحتلال برام الله خريف العام 1987، أتذكر أنه سألني عن اسمي فلـم أعطه له بشكل مباشر، وحين أراد أن يعرف إذا ما كانت جامعة بيرزيت هي منظمة الـتظاهرة، لـم أجبه بشكل واضح؛ فأعجب بسريتي وثقافتي الحداثية الـمتنوّرة بعد أن تأكد منهما من آخرين يعرفونني، كما قال لي حينها، ووظفني عنده هذه الوظيفة العجيبة، وهي أن أنتحل اسمه وقصصه وصفته، أما صورته التي ترونها في الصحف فهي صورتي أنا.
كان من ضمن الصفقة أن أعطيه وجهي ووقتي وإخلاصي، وثقافتي الواسعة، وموهبتي في التقمّص، واحتمالي، مقابل أن يعطيني قصصه واسمه وكتاباته، الصفقة التي عقدتها معه، تنصّ على أن أحفظ سرّه، وفي الـمقابل يعطيني أجري سخياً وقابلاً للزيادة، لا أدري لـماذا زياد مصرّ على الاختفاء، لا أعرف قصته معكم بالضبط، رغم بعض الاستنتاجات هنا وهناك، في الواقع لا يهمني ذلك، الـمهم هو أن أقبض راتبي الشهري منه بانتظام، وأربي ابنتي وولدي اللذين يعتقدان هما، أيضاً، أنني زياد الكاتب، أما لـماذا آن الأوان لأن أفضح سر زياد الحقيقي الـمختفي؛ فلأنني لـم أعد أحتمل تصرفات معظم الـمثقفين من زملائه، لقد وصلت إلى نتيجة متينة ومهمّة وغير قابلة للنقاش وهي أن كل أمول العالـم ورخائه ومغرياته لن تستطيع، بعد الآن، أن تجبرني على الاختلاط بهذه الوحوش الـمخملية ــ الـمترامية في الـمقاهي الشعبية والـمؤسسات الأنيقة والوزارات ــ التي تتربّص بفراغها وعدوانيتها الجاهزة لكل نصّ يبرز، أو شخص ينجح، زياد يريدني أن أحتمل وأصبر على ضيق العيش بين أشخاص ليس في حياتهم سوى مطاردة سير الناس وحياتهم الشخصية، خصوصاً حكاياتهم مع النساء، يريدني أن أضبط أعصابي وأمتص حقد الزملاء وأحتمل تشكيكهم وسخريتهم وفضولهم الـممل ونفاقهم للـمسؤولين والـمسؤولات، وتغييرهم مواقفهم تبعاً للـمصلحة، واهتمامهم بالشخصي لا الإبداعي.
يقول لي، دائماً، إنه يعمل في أكثر من مهنة، كشف لي فقط إحداها، وهي بيع البطيخ على أطراف قرية سردا. يا إلهي، هل هو ذلك الرجل السمين الذي يشاهد، دائماً، شبه راقص حاملاً فوق رأسه بطيخة ومنادياً بصوت عالٍ بطيخ بطيخ؟ مقابل أن يغطي مصروفاتي ويفي بتعهداته أمامي، الآن أستطيع أن أستنتج لـماذا قرر خدَّاش الاختفاء الفيزيائي عن الـمثقفين، هو يقول إن هناك قليلاً جداً من الـمثقفين الذين يشذون عن قاعدة الأذى، واضح جداً أنه عاش فترة بسيطة في بيئة بعض الـمثقفين وتعرّض للسع والطعن في الظهر والتشهير، فقرر أن يستأجر شخصاً ذكياً ومثقفاً وفقيراً مثلي ليقوم بدوره في حضور الأمسيات والـمهرجانات والنشر في الصحف، والجلوس في الـمقاهي والاختلاط مع الناس والـمشاركة في النقاشات الفكرية السياسية في الشارع واستقبال نصوص الـمبدعين الشبان وتشجيعهم، وتحمّل إيمانهم الـمبالغ فيه بأنفسهم، واستعجالهم الشهرة، وزيارة الـمكتبات العامة وشراء الكتب، ومراجعة دور النشر لطباعة الـمجموعات القصصية، الله وحده يعلـم ماذا فعلت لأقوم بواجبي الـمهني في انتحال شخصية هذا الكاتب الغريب الـمتوتر الـمنتمي بغضب وحزن إلى برج السرطان، الشهرة والـمجد لزياد والتعب والقلق لي !!.
لـم أعد أحتمل أعباء وظيفتي مع هذا الرجل، لاحقاً اكتشفت بطريقتي أن الشاعر وليد الشيخ ليس وليد الشيخ الحقيقي بل هو استعارة له ومندوب كما أنا تماماً، كذلك صالح مشارقة وعايد عمرو، اكتشفت أنهما شخصان آخران مستأجران ويعملان بأجر شهري سخي كبديلين للـمختفيين الحقيقيين صالح وعايد اللذين يعلـم الله وحده أين هما الآن، لقد استغل هذا الكاتب حاجتي الـمادية، كابن مخيم، وحرّضني على ترك دراستي الجامعية قائلاً: إنه سيكفل حياتي كلها مادياً.
أنشر هذا الـمقال في زاويتي هذه والتي هي في الحقيقة ليست زاويتي، لقد اعتدت على استقبال مقالات زياد عبر البريد الإلكتروني لأقوم بإرسالها إلى "الأيام" من بريدي الإلكتروني الذي ينتحل اسم زياد الحقيقي، هذه الـمرة قمت بخداع زياد، ها أنذا أنشر نصاً حقيقياً لي، كاشفاً حقيقة هذا الكاتب، القاسي الذي اشترى راحته وصفاء وقته بنقوده على حساب أعصابي وكرامتي، مبرّئاً نفسي من كل قصصه وأخباره ونصوصه، وأسراره التي لـم أعرفها بعد. نسيت أن أقول لكم إنني أعمل الآن عاملاً في مخبز.!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق