زياد خداش ينهض بفن القصة الجميل

زياد خداش ينهض بفن القصة الجميل
في نصوصه القصصية "خذيني إلى موتي"

خليل قنديل *
***


لاشك في أن الساحة الثقافية العربية تعاني مما يمكن تسميته الضنك الإبداعي فيما يخص كتابة القصة القصيرة، وإفراز الأسماء الجديدة، المبشرة والقادرة على الحفر في المدى البعيد والعميق في دهاليز هذا الفن العبقري في
اختزالاته وابتساراته وتكثيفاته، والتي تجعل من المساحة الورقية الضيقة، مساحة رحبة تحتمل كل هذه التجليات الإنسانية العميقة، في إبراز المكنون الفني الإنساني، وتجسيده في قصة قصيرة.
ففي زمن الهرولة الكتابية باتجاه الرواية، وزمن التأكيد الملح حد الضجر، على أن الشعر ديوان العرب، وفي زمن اختراق قصيدة النثر للقصة القصيرة حد الاستيلاء والمصادرة، وفي زمن الهجوم الكاسح على تقنيات القصة في
الخبر الصحافي والمرئي تحت تسمية "الصورة الصحافية"، وفي زمن غياب الحرص النقدي المسؤول.
أقول في مثل هذه الأزمان مجتمعة، التي ولدت ما أسميته بالضنك الإبداعي القصصي، فإن المرء يفرح لمجموعة قصصية جديدة تنهض بفن القص الجميل، وتؤكد على فعاليته الإبداعية في القراءة.
هذا الإنهاض تؤكده المجموعة القصصية الجديدة للقاص الفلسطيني "زياد خداش"، والتي وسمها بالنصوص، وربما فعل ذلك بسبب هيمنة فعل التشرد والتنصل الذي يمارسه كتاب القصة تحت وطأة الضنك الإبداعي في هذا المجال.
ونصوص زياد خداش القصصية التي حملت عنوان "خذيني إلى موتي" والصادرة عن دار الماجد في رام الله، تحمل في قصصها قدرة على السير في المسالك الوعرة للسرد القصصي، والخروج بما يبهج القارئ في التمتع بنص
قصصي له جودته الخاصة والمميزة.
ونحن حين نبدأ التوغل في عوالم خداش القصصية نلحظ أن نهجه السردي يحتكم الى تقنيتين: الأولى ــ أن جميع القصص تقريباً يتحدث بطلها بضمير الأنا، لابل فإن الأمر يذهب الى أبعد من ذلك إلى الدرجة التي تبدو فيه معظم
القصص التي ضمتها المجموعة، وكأنها سيرة ذاتية للقاص خداش، توزعت في بوح قصصي.
إما التقنية الثانية ــ فهي عمل خداش على جذب القارئ نحو نصه القصصي الى درجة الحديث معه وإشراكه في بناء القصة.
واللافت في قصص خداش، وهو الفلسطيني الذي يعيش وطأة الاحتلال الإسرائيليي، أنه وبحكم الوجود اليومي للاحتلال، وبحكم العادية الموجعة لمشاهدة الاحتلال، نلحظ أنه لايذهب الى الشعارية السمينة التي أُتخمت بها فلسطين، بل يبدو الاحتلال وكأنه بهذه المياومة الموجعة لوجوده يقود خداش الى أن يقدم الحالة الإنسانية القاهرة للفلسطيني:
"أنا أحب أطفال بلادي، وأكره الدبابات، وأندهش بمرارة وغضب حين يجتاح جنود ما مدينتي، يعيثون فيها خراباً وينكلون بالناس، ولكن أحياناً أفقد الإحساس بالطبيعي والأشياء، أراني غريباً عن مدينتي، وغير مبالٍ بصرخاتها
وأتخيل الجنود الغزاة وفداً أجنبياً يعبر عن إعجابه بمدينتي على طريقته الخاصة، أو أراه فريق كرة قدم لدولة مجاورة، يستعرض مهاراته قبل المبارة بنصف ساعة". ص"17".
إن الاحتلال في أقصى حالاته اليومية المؤثرة يجعل خداش، يمتلك جرأة إنسانية موازية لحجم هذه الكارثة، وهي جرأة أنسانية تضيء على الجانب الحياتي واليومي للإنسان الفلسطيني، دون خوف من التابو المحرم نطقه أو
الإشارة اليه. نلحظ ذلك في قصص كثيرة مثل "الطيون والجنود وأنا" و"بعينين باردتين" و"جنون القمر" و"دوائر أختي الناقصة".
المناخات التي يذهب اليها خداش، في مجموعته "خذيني إلى موتي" هي مناخات استطاع خداش أن يقوم بتخصيبها بجملته القصصية المباغتة في إنسانيتها، وتماسها مع العميق والمختبئ وربما المسكوت عنه في المجتمع الفلسطيني المسيج بالاحتلال، وقد فعل هذا بجرأة لم تقع في الإباحية المجانية، بل توخت احترام رغبة الإنسان العميقة في البوح والانعتاق.


* الأردن

0 التعليقات:

إرسال تعليق