يوميات امراة مجهولة نبت على رمشها قمر

كنت أتسكع وحيدا في دروب رام الله المهجورة باحثا عن غير العادي في العادي،عن استياء واحتجاج، الطبيعة المخذولة، عن الشعري في اللاشعري عن السحري في المألوف، عن قوى الأشياء الخفية من شجر وصخور، عن طاقتي الحبيسة، أحاسيسي المجهولة عن قيعاني، كنوزي،هناك بعيدا عن صخب العربات، ورذاذ الضحك السهل والمتاح، وجحيم المصالح، وسطوح اللغات، رحلة بحث عن بطولة النحيل والهادئ في الثرثار والبدين، عن الصامت أو الهامس الممتلئ في الضاج الفارغ.

في الطريق المتعرج، المليء بالحصى المبعثر والحجارة الساقطة من السناسل المهدمة بقايا النفايات الجافة، مشيت،انه يوم خريفي حيث كل شيء يتخلى عن أحبائه لصالح موت خفيف، خطواتي تذهب إلى اللامكان، اللازمان، أحب هذا الضياع، هذا المجهول الذي ينتظرني، هذا الإصرار على محبة الغموض والخطر والعتمة المراوغة الخفيفة عناقا لمعنى آخر للحياة وتمرغا في دلالات جديدة للطبيعة، رأيت دفترا أنيقا معلقا بخيط حرير على غصن شجرة صنوبر، مجاورة للطريق، تسلقت الشجرة الضخمة التقطت الدفتر وهبطت، جلست تحت الشجرة، على الغلاف قرأت العبارة التالية: يا قارئة وقارئ كتابي هذا، لا تتساءل ان كان ما تقرؤه حقيقية أم خيال، فقط حدق في قلب الكلمات النابض وتنفس بعمق...

أنا امرأة مجهولة لا احد يعرفني، لكني في كل مكان، امرأة ترى كل شيء ولا احد يراها، امرأة تشبه الشجرة أو النفق أو التل أو الحديقة أو السحابة أو الدرج أو النار أو الماء أو المنحدر أو الكلمات، أو الموت، موجودة دائما، تمرون عني ولا تكترثون، تحسبوني خرساء لكني امتلك كل لغات العالم، تحسبوني عمياء لكني امتلك كل عيون الكون، أنا الجانب الرائع والمسالم والدافئ من العالم إليكم تحولاتي:




يوميات الحب

خمسة عشر عاما من الحب والحدائق والطيران، خمسة عشر عاما من الشعر والطفولة والهمس، وفجأة انتهى كل شيء، في ساعة واحدة طوى الرجل الذي كان حبيبي ملف حبنا، وقف على الباب، رائع الثقة، وسيم الكبرياء: انتهى كل شيء يا عزيزتي، احزمي حقيبة المشاعر واهبطي على الأرض، وغادر مصحوبا بدمي، بموتي، هبطت على الأرض، جلست مع نفسي ا! لف ساعة، وحولت نفسي إلى شجرة لوز على قارعة طريق عام يمر منه تلاميذ مدرسة مجاورة، في الخريف احتفي بشحوبي وعريي وفي الربيع اغني شهوتي وثماري وبياضي، هكذا لا أتفاجأ بشيء، فانا كائنة الخريف الذي لابد ان يعقبه ربيع، بلا خيانات أعيش وبلا وعود من احد أيضا.


يوميات الجنون

أنا امرأة مجنونة، أخذوني إلى مصح عقلي، أخضعوني لعلاج دقيق، تبين بعدها إني أعاني مرضا خطيرا يستدعي العلاج الطويل والحجر الصحي، انه مرض الصدق، الصدق مع الذات ومع الآخرين، مشكلتي بدأت حين قلت لزوجي ذات ليلة ان للبصل رائحة لا تطاق، وأشحت بوجهي عنه، فضربني بعنف، وبدأت المشاكل، قلت مرة لرب عملي ان طريقة إدارته للمؤسسة لا تعجبني وأنني أحب زوجي جدا، فخصم يومين من راتبي، قررت ان أريح العالم مني وارتاح منه فحولت نفسي إلى قطة شقراء، يمر عني الناس بلا اهتمام، لكني اسمع كل أكاذيبهم واضحك بسري، ارتحت من رائحة البصل ومن مطاردات رب عملي، أنا قطة سعيدة شقراء أجوب الطرقات وحدي أو مع صديقاتي القطط، دون ان نكذب، نشتم بعضنا، ونلهو في الأزقة، نأكل ما تيسر من نفايات البشر، بلا أقنعة، بلا كذب، بلا مجاملات نمارس الحب والحياة


يوميات الأهل

أنا بنت في العشرين، أحب أهلي ووطني ومعلمتي، لكن مشكلتي تكمن في إنني أحب الليل كثيرا وأمنيتي ان امشي فيه ومعه، وحدي، قلت لجدتي ذات التجاعيد الشرسة، بضعة أمتار فقط يا جدتي وسأعود، راقبيني أنا أمامك على مرمى تجاعيدك، كم أحب الليل يا جدتي انه يغسلني من أكاذيب النهار أريد ان أصافحه فقط واهمس له إني معجبة به وبغموضه وبكائناته، انهالت جدتي على وجهي صفعا، وتضامن معها أبي وأخي، كانت أمي حائرة وتبكي، وفجأة وجدت حلا: حولت نفسي إلى قمر، كان الليل تحتي كله وكأنه بانتظاري، كنت اهبط على الأرض، أمرغ ضيائي بعباءة الليل الغامض واصعد لارتاح، هناك في عرش الضوء البعيد، كان أهلي يبحثون عني، خائفين من الليل، وكائناته، أمي الحبيبة وحدها كانت تعرف أين أنا، فكانت ترفع نظراتها إلى وجهي وترسل لي القبلات. وارشقها بنوري، فتبدو أجمل الأمهات وأبدو أنا أنضر البنات.


يوميات الكتابة

زوجي وطفلتي نائمان، المدينة كذلك والعالم، وحدي، اكتب نصي، نص جنوني، نص أعماقي، لا صوت لا حركة، فقط صوت أنفاسي وقلمي، وشخير زوجي، الورق الممزق على الأرض متن! اثر كأفكاري، الكلمات تاتي غريبة ومن عالم آخر، كأني صرت رسولة كون بعيد، كأني صرت نبية عهد جديد، الغرفة مضاءة بشمعة وحيدة، والستائر مسدلة وزرقاء، والعالم صامت بشدة، كأنه مخنوق أو معتم أو مقتول، كأني أنا الوحيدة الحية والمضيئة، فجأة رأيتني أتحول إلى نص، نص تكتبه يد الجبل المجاور وحبر الشجرة وروح البحر وقلب الدغل، نص غريب، لا ينتمي لعالمنا، لا يبشر بوصايانا، نص وحيد بلا زوج بلا أطفال، بلا غرف، بلا ستائر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق