حكاية المرأة التي هربت ذات خريف

شوهدت هذه المرأة تغادر بيتها، مع بداية سقوط عباءة الليل على وجه العالم، وأطراف جسده، على أطراف ليلة خريف باردة تسللت المرأة الغريبة خارج مكانها نحو ارض مجهولة، بمصاحبة وتضامن من نور نجوم خفيفة وضعيفة، كانت تحمل حقيبة زرقاء، لا احد يعرف ما فيها، كانت حزينة وقلقة، لكن عزيمة غريبة كانت تتراقص في عينيها، يقسم البعض أنهم شاهدوا بأم أعينهم ضوءا غريبا يتساقط على الأرض بوهن من عينيها، البعض الأخر تتتبع هذا الضوء ولمسوه بأيدهم، وحين سئلوا، قالوا: إن ملمسه يشبه ملمس الشمع الذائب كانت تعيش على أطراف مدينة مع ولديها وزوجها، بيتها يشبه القصر، واسع الحجرات، مجهز بحديقة ومسبح خزانة ملابسها مليئة بأرقى أنواع الملابس، غرفة نومها تضج بأفخر أصناف العطور، امرأة عادية هي، هكذا كانت تبدو، تعمل موظفة في إحدى المؤسسات، ناحجة جدا في عملها، تحصل دائما على إعجاب زملائها وتقريظ مديرها، وحسد الزميلات، لا شيء يهددها، صحتها ممتازة، لديها صديقات ومعارف كثر، لا تشعر بالملل، وقتها مليء بالعمل وزيارات الأهل، تقرا أحيانا، وتسافر ترفيها أو عملا، تتقن الطهي جيدا، تبتسم للجيران دائما، تلوح لهم من بعيد، تحب زوجها، هو يعبدها، لكن لا احد يعرف لماذا قررت الهرب من البيت تاركة زوجا غنيا يحبها، وطفلين رائعين، و التسلل خارج بيتها على أطراف أقدامها الحافية نحو مكان لا احد يعرفه، لا احد شكك في شرف هذه المرأة الغريبة، فالكل يعرف علاقتها الحميمة مع زوجها، لا احد اتهمها بخلل عقلي، فهي ذكيه، لا احد سمع عن خلاف، أو شهد على نزاع، بينها وبين جيرانها أو أصدقائها وصديقاتها، كل شي كان هادئا تلك الليلة الخريفية الغامضة، هادئا الى درجة الموت، ما الذي ذهبت تبحث عنه هذه المرأة؟؟ ما الذي كان ينقصها؟ كل ما تحلم به المرأة في بلادنا كان جاهزا لها، أين ذهبت؟ كيف تترك طفلين يحتاجان حليبها وحبها؟؟ كيف تترك زوجا وفيا لم يخنها يوما، ولم يحرمها من شي؟ سكنني هروب هذه المرأة، سكنا مؤرقا، قررت أن ابحث عن سرها، ككاتب قصة مجنون يبحث دائما عن الغريب والوحشي والمدهش، والممتد خارج حدود الأرض، التقيت معظم الذين شاهدوا هذه المرأة أثناء هربها، كلهم اجمعوا على نفس الكلام: قلقة وحزينة لكن عزيمة غريبة كانت تتراقص في عينيها، تحمل بين يديها بحرص شديد حقيبة زرقاء وكأن سر هروبها يكمن فيها حاولت أن التقي زوجها، فطردني و هدد بحبسي، وادعى أن زوجته ستعود قريبا، وانه يعرف أين هي، أحسست أن الموضوع غامض غموضا كبيرا وأنني لن أتوصل لنتيجة، فيئست و قررت أن أنساه واكتفي بكتابته نصا أو مسرحية، في نفس الليلة حلمت إني أتسلل الى قصر الجبل المحيط بالسيدة الهاربة، واسأل عنها الشجرة والنبعة والصخرة، حين صحوت من نومي ركضت كالمفزوع الى الجبل راقبت زوجها وهو يغادر الى عمله، اقتربت من أطراف قصرها وأطراف الجبل، هناك صعقت وكاد يغمى على رعبا، رأيت نبعا وصخرة وشجرة، كأنهم كانوا بانتظاري، الصخرة ملساء وكبيرة منحوتة على شكل امرأة تخطو باتجاه الجبل والذعر الجميل باد في هيئتها، الشجرة شجرة سرو وحيدة، والنبعة صاخبة وحارة

سالت النبعة ؟

أين هربت المرأة الغريبة أيتها النبعة؟

سمعت صوت الماء يهدر

هناك باتجاه ارض جديدة

هل تقصدين ارض الموت؟

فهذه المرأة كانت تحب الحياة كثيرا

إذن ما الذي هناك وليس هنا أجيبيني بالله عليك أيتها النبعة؟

لا استطيع أيها الرجل الفضولي أن أصرح بالكثير فقد وعدت السيدة الهاربة أن لا أشي بسرها لأحد، لقد راقبت كل تحركاتها وهي تخطط للهرب، آه كم كانت جميلة وهي تهرب حزينة وقويةّ!

أعطني إشارات فقط فقط إشارات أيتها النبعة الوفية وأنا سأجتهد لفك رموزها

سأنطق ببعض كلمات غير مترابطة تشبه إشارات على طريق طويل لكني أشفق عليك كثيرا لأنك لن تصل لجواب أيها الرجل المستعجل

هاك الكلمات ولا أريد أن أراك هنا بعد أن انطق بها، أريد أن أنام فقد تعبت من الهدير،

حياة، طاقة سكون، بعيد، عزلة، جبل أعماق، شطح، موسيقة، شعر طويل، غرابة، حق امتداد، مكان حقيقة ازرق صعود طبيعة ماء، ماء ماء

7-6-2005

0 التعليقات:

إرسال تعليق