المرأة في نصوصي- ما يشبه الشهادة على الجمال والألم



لدي الكثير لأقوله للقراء الغاضبين والمتقززين، ولدي أسباب كثيرة تدعوني إلى تجاهلهم بل وأحيانا أسمع صوتا داخلي يدعوني إلى الفرح بهم والرقص على دفوفهم، إذ أن تقززهم يدل على نجاح مشروعي التخريبي الجمالي الإنساني في هدم الأسوار وتحطيم الخوف، والتعرف على أقصى ما تعطيه حواسنا من ومتعة ومعرفة*
يقول لي صديقي نجوان بما معناه: لا تكتب عن نساء ينتظرنك على الماسنجر أو يجلسن في ذهنك، اكتب عن نساء لا تراهن، لا تتوقعهن، غيرقابلات للانتظار (سوف أسثتني نجوان من قرائي الغاضبين المتوترين والخائفين وسأعتبره أرقى قرائي رغم أنه يجلدني شر جلدة كلما انسقت بتطرف خلف حاسة).
تقول لي سامية: أنت رجل خجول في حياتك الشخصية، وجنون أبطالك نساء ورجالا لايمت بصلة إليك، يصرخ رجل في وجه ابنته المراهقة: لا تدخلي كتب هذا الخداش إلى بيتي هل فهمت؟ تقول كاتبة صغيرة لي: أنت كاتب قذر نساؤك ساقطات وعابثات، لماذا لا تكتب عن مخاطر الجدار الفاصل، أو السرقات، أو حقوق العمال وأهالي الشهداء ومعاناة المعتقلين.
يقول جارنا لخالي: ابن أختك خرب عقول الشباب في المخيم، "ظبوه" يا رجل بدو حجر صحي والله .
تقول لي صديقة: تزوج يا رجل النساء كلهن امرأة واحدة، المرأة المجنونة في رأسك فقط. تقول لي عيون امرأة مفترضة تكرهني: أنت مسكين مكبوت ووحيد حين تتزوج ستكف عن الكتابة، وستخسر الكتابة والنساء معا. يقول لي جمال صديقي تاجر الملابس النسائية: سأقترح على صاحب المصنع أن يلصق على ملابس النساء بعض عباراتك الجنسية. يقول لي خالد: النساء يقطرن من حروفك، ما قصتك؟ ويضحك ضحكته البدوية الرعوية، أقول أنا لزياد ابتسم، ابتسم بعمق واصعد إلى سطح بيتك في المخيم، وحاول أن تقرأ نص النجوم التي لا تكف عن الحفر في هيولي الضوء. أتساءل دائما: ما الذي يجعل قرائي يسألون بإلحاح واستغراب عن سر كتابتي عن المرأة، وسر احتفائي بالشوق الإنساني النسوي المضغوط في زجاجات غير شفافة اسمها بيوت؟
سيقول إبراهيم جوهر في ندوة اليوم السابع في مسرح الحكواتي الخميس الماضي : زياد يشبه رجلا يلبس مايو في شارع صلاح الدين ، هاهاهاها.
أكاد أسمع نجوان الآن هاهاهاها.
وسيقول الشيخ جميل السلحوت في الندوة نفسها: لو كنت مديرا في المدرسة التي يعلم فيها زياد لقمت بفصله.
وستقول بنت لمالك الريماوي: صديقك خداش لا يكتب نصوصا إنه ينصب أفخاخا للنساء ، سيضحك مالك بالتأكيد تلك الضحكة العاهرة الرائعة، ولا أدري إن كان يعرف، كما استنتجت أنا، أن كلام السيدة ، هو من إيحائه هو ومن تأثير كلامه الدائم عن شبقي وشبق أبطال نصوصي.
وسيقول آخر: إنه يشبه من يصعد عمارة عالية ويلقي الحجارة على رؤؤس المارة وكانه يقول لهم: أنا هنا أنا هنا.
أتساءل دائما : ما الذي يثير كل هذا الحنق، والاستهجان والتقزز ، في نفوس كثير من قراء نصوصي؟ حين يقرؤون مثلا عن امرأة تتحسس نهدها في مساء حار؟ علما بأنهم أي بعض القراء لا يهتمون بمدى نجاحي في توظيف الجنس توظيفا فنيا في نصوصي، هم يعترضون فقط على كل عبارة أو كلمة فيها إثارة أو إباحية أو عري، بغض النظر عن مدى خدمة هذه العبارة لسياق النص الدرامي.
هؤلاء الغاضبون والمتقززون لا يتورعون عن التلصص على هذه المرأة وهي تتحسس نهدها فيما لو أتيح لهم المجال، هؤلاء الحانقون لا يخجلون من أنفسهم حين يتركون زوجاتهم وأولادهم ويمشون في هدوء وتوتر اللصوص، على أقدامهم الحافية، ويقعدون أمام الفضائيات الإباحية يحترقون على أتون النهود القافزة كالفهود في وجه عطشهم الشرقي المقيمز
إن ازدواجية المشاعر التي نعيشها في بلدنا ، تثير أسئلتي دائما ، فنحن نخاف على بناتنا من قراءة الكتب الخطرة التي تثير الشهوة، بينما نحن دائما نتكلم كمثقفين عن ضرورة التجريب والتحرر والانفتاح والجنون الفني وتمزيق الأقنعة ، من السهل دائما أن نهاجم الكتاب الذين يتحررون من كل الأقنعة حين يكتبون، فهم دائما جاهزون لتلقي التهم، فهم إما أنهم يكتبون تحت ظلال عقدة نفسية اسمها "خالف تعرف"، أو هم مكبوتون ويعبرون عن حرمانهم ويعوضون ما ينقصهم بما يكتبوه ليريحوا أجسامهم الوحيدة، أو هم عملاء للأجنبي الذي يحاول هدم أخلاق بلادنا وتدمير بلادنا ثقافيا حتى يسهل القضاء عليها سياسيا وكأن بلادنا غير مقضي عليها سياسيا وفكريا واقتصاديا ووووو.
لدي الكثير لأقوله للقراء الغاضبين والمتقززين، ولدي أسباب كثيرة تدعوني إلى تجاهلهم بل وأحياناأاسمع صوتا في داخلي يدعوني إلى الفرح بهم والرقص على دفوفهم، إذ إن تقززهم يدل على نجاح مشروعي التخريبي الجمالي الإنساني في هدم الأسوار وتحطيم الخوف، والتعرف على أقصى ما تعطيه حواسنا من متعة ومعرفة.
من المحزن أن أجد نفسي اليوم مطالبا بالدفاع عن نفسي كشخص يحب الحياة ، شخص يحاول أن يفهم تناقضات ومتاعب و متع العيش عن طريق ألغاز هذه الحياة وأنفاقها ومتاهاتها المتمثلة في المرأة أتذكر هنا جوابا رائعا أراحني كثيرا للروائي يحيى يخلف حين اتهمني أمامه لسان طويل ومؤذ لشخص ما يتعشى على الشتائم ويفطر على تشويه الآخرين بأنني "نسونجي". إجابه يحيى يخلف: زياد مش نسونجي زياد يحب الحياة.
لا مشكلة نفسية لي مع المرأة في حياتي الشخصية، بالعكس تماما، المرأة تعطيني دائما سواء عبر وجودها الفيزيقي أو الفني أسبابا كثيرة ودوافع رائعة للتخلص من الكآبات والأمراض والهواجس المعيقة للإبداع والصحة النفسية.
كم هو مؤلم أن أحس الآن بأنني في قفص اتهام ، بلا محامين سوى نصوصي، التي هي في الوقت نفسه بنود الاتهام، والقراء الغاضبون والخائقون على بناتهم يجلسون في تشوق إلى قرار الإدانة.
من هو القاضي يا ترى؟ إن لم يكن تاريخ بلادي المثقل بالمقاصل والسجون والأقنعة والكذب والقسوة والتزوير.
لن أكتب عن الفلتان الأمني أيتها الصغيرة الكاتبة، سأكتب عن امرأة جميلة وعاشقة قـُتلت خطأ بنار مقاتل لديه الكثير من النقود ووقت الفراغ و يحب استعراض عضلاته وعقده.
لن أكتب عن عملية السور الواقي ، سأكتب عن علاقة حب أثناء حصار رام الله وقتل رجالها ونسائها وأطفالها، أنا آسف يا صديقتي الصغيرة فأنا لن أستطيع أن أكتب عما هو مشاهد ومرئي ومتوفر ومتوقع. أنا أحب أن أاكون هناك دائما واقفا كغبي عنيد جدا في منطقة صحراوية مفتوحة، لا أحد فيها سوى أنا والذئاب المفترسة والظباء المطاردة، أرصد شهقات امرأة وجوع شاب، ليس هربا من مواجهة فكرة الالتزام السخيفة، بل هجوما على أعماقنا وتمزيقا لفكرة بطولتنا المزيفة، وتأكيدا على إنسانيتنا وتناقضاتنا، وعاديتنا، وسفالتنا الجميلة.
ما يمكن أن أتحمله وأقبل مناقشته هو أن يتهمني أحدهم بأني لم أوفق في توظيف الجنس فنيا، أما أن أُتهم بغزارة كتاباتي عن غرائز الإنسان، وشدة اهتماني بجسد المرأة، فهذا مؤلم جدا. كان المفروض أن لا يكون هذا النص، لأني سأبدو فيه كمجرم يدافع عن شرفه، كمريض يدافع عن عقله، لكن لا بأٍس ببعض الألم وما يعوض هذا الألم هو بعض الجمال الذي سأتدفأ إلى جانب موقده الحنون في برد هذه الاتهامات، جمال الكلمات وهي تنحاز إلي فيما يشبه ردا للجميل.
أقول لإبراهيم جوهر: كيف ساأون فنانا حقيقيا إن لم ألبس المايو في شارع صالح الدين؟
هل تتوقع مني أن ألبس مثل الآخرين؟
ما هي مهمة كل أديب؟ أليس المخاطرة برأيه الذي حتما سيختلف عن رأي الناس؟ والطريق الآخر؟ كيف سأكون فنانا إن لم أختر طريقا آخر؟ وكيف ستفرق بيني وبين التاجر واللص والرخيص والسياسي حين ترانا جميعا معا؟.
استعد يا أخي إبراهيم لافأجئك بما يلي : ستراني بلا مايو حتى في شارع صلاح الدين، ليس بحثا عن اختلاف بل شوقا إلى حرية، أنت لم تعرفها ولن تعرفها ما دمت ممن يلبسون ما تفرضه أذواق الآخرين وخياراتهم.
وتأكد تماما أن كل المارة في شارع صلاح الدين يشتهون لبس المايو لكنهم لا يجرؤون لأن في كل واحد منهم شخص اسمه إبراهيم.
أما أنت يا نجوان يا أجمل وأخطر قرائي فسأحضر لك صاحب الشعر الأحمر غدا ليقيم أمسية شعرية في غرفة نومك وسنركن سيارته الباهرة الحمراء في مرحاضك النظيف ، يكفيك حضوره عقابا لك، ونكاية مني فيك

1-8-2006

0 التعليقات:

إرسال تعليق