يا ثلج: يا طفولتنا الحزينة، يا بياضنا المنتهك


الثلج لا يسقط من السماء، انه يصعد خلسة منا، يتسرب من مساماتنا، اشواقنا، انتكاساتنا، مخاوفنا، تراجعنا، هوسنا، كذبنا، ورعنا، يأسنا، طاقتنا، قبحنا وجمالنا، الثلج هونحن، لذلك فنحن نندهش ونصمت ونفرح ونخاف ونتوتر، حين نفاجأ به دون اذن رابضا في حدائقنا وفوق اشجارنا وعلى حواف نوافذنا، وفي شرفاتنا، هو طفولتنا الحزينة، اذ اننا لن نستطيع ان نلبي نداءه للعب فقد شخنا وترهلت اجسامنا، هو بياضنا المنتهك، اذ اننا سرعان ما سنلوث براءته وصفاء قلبه باقدامنا الهمجية وانفاسنا الشريرة وعرباتنا القاسية، هو فناؤنا المنتظر، اذ هو نبوءة رحيلنا عن هذا العالم كما سيرحل هو، ذات شمس عطشانة وشبقة، انه التجلي الاكبر لقلوبنا التي خنا روحها، وبساطتنا التي تنكرنا لها. انه نحن نحن، يخرج منا ويعود الينا، علامات على الطريق لا نفهم لغبائنا سرها.

نحن متاهته

من الخارج يبدو الثلج لنا متاهة، حلقات مفرغة، جمل مكررة ومملة، تضيع فيه الطرق وتختفي الاشارات، يبدو معاديا للوضوح بوضوحه المستبد واستيلائه الضاري على مقومات يومنا ومفارق حياتنا، لكن قليلا من التفهم لهذا العملاق الحزين، كفيل بأن يبدد مفاهيمنا عنه، لا ذنب للثلج بكل ذلك، هو نفسه يعتبرنا متاهته وصحراءه ومنفاه وهاويته وموته وتشوهه وحنينه وطفولته المكسرة، يسقط الثلج حزينا فوقنا دون ارادة منه، دون تفاصيل، فقط يسقط يسقط.

ابتسامة القتلة

تنهار الغزلان فوق الثلج، تعجز عن الركض، لا ذنب للثلج صدقوني فهو عاجز ايضا عن الركض، يبتسم القتلة المسرعون الجوعى اصحاب الفراغ والخراطيش، تتحول الغزلان الى دموع للثلج، يصير الثلج خارطة وشهادة ووطن ومقبرة لدم الغزلان، تمتزج الحمرة مع البياض، ويكتمل عناق الضحايا، تتفتت الصخور المجاورة حزنا وعجزا، يتحول الثلج الى آباء ثاكلين.

اطفال، اطفال

يحب الاطفال الثلج، يتمرغون فوقه، يتمرغ فوقهم، يسلمونه بياضهم ويسلمهم دموعه ومسقط رأسه، يطعمونه ملابسهم ويطعمهم هشاشته، اطفال يلعبون من اطفال.

موت دافئ

طرق الثلج بابي، فتحت الباب، دخل، اجلسته بجانب المدفأة، عرفته على زوجتي وطفلتي، ثرثرنا طويلا حول حيادية الريح وتواطؤ المطر واستغاثات الازهار ووفاء الجبال وبراءة الاطفال، ثم تعبنا ونمنا، في الصباح صحوت على يد زوجتي المذعورة وهي تلكز خاصرتي: زياد انهض انهض الغرفة غارقة في الماء. الهي أكان يجب ان نموت حتى ندفأ؟!

قسوته الاخيرة

في أيامه الاخيرة وحين يتحول الثلج الى ركامات عشوائية حزينة ومرمية باهمال على الارصفة وحين تعود الحياة الطبيعية الى سياقها وحين تنحسر دهشات الناس ويغرقون في اعمالهم ومصالحهم تباغت الثلج غضبات مجنونة يائسة، فيشد على جلده ويقسو، يغمض عينيه ويحاول ان ينام، لا يحزن لذلك سوى الاطفال الذين يواصلون التحرش به لكن بلا جدوى، بعد عده اسابيع تتقلص جثث الركامات، يموت الثلج ميتته الاخيرة، يصبح ذكرى، وحدهم الاطفال لا يتوقفون عن التقاذف بالحجارة او باشياء اخرى. كأنهم يقذفون وعي الثلج وووعي الهشاشة الحلوة الى بعضهم البعض. هل يمررون وحشة الرحيل ووعيه الى اياديهم الصغيرة الضجرة؟؟. هل يرسلون له رسائل ليعود؟.

ركض نحو الطريق


اذا اردتم ان تعثروا على الطريق من متاهات الثلج فامسكوا كتابا في ايديكم وتشبثوا به،
انه وصفة سحرية للاهتداء الى انفسنا وامكنتنا التي تتعرض للخطف والترحيل، هذا ما فعتله انا في اليوم الاول والعنيف للهجمة البيضاء، كلما اطللت من النافذة وارتطم نظري بالضياع ركضت الى صفحة من رواية او قصة او نص وعثرت هناك على بداية الطريق. فاتنفس الصعداء. الكتب كاسحات الثلوج ومعيدات الهوية للطرق بعد فترة غيبوبة
.
صوت الثلج

هل سمعتم صوت الثلج؟ انه يشبه صوت وقوع قميص قطني على الارض، او منديل حريري على طاولة، اعتراف بحب، صلاة داخلية لملحد، ربت خائف على كتف نحبه. عناق مرتبك وخفيف لامراة تبدو مثل ابنتنا، فنخجل ونخاف ان نكسرها. كلام عيون في مقبرة او حافلة. قبلة حب اولى لامراة تكبرنا في السن كثيرا. صمت في قاعة امتحان رياضيات.


3-2-2003

0 التعليقات:

إرسال تعليق