شتاء ثقيل وامرأة خفيفة


لماذا أتكسر بداية كل شتاء ؟ اتكسر حد الانزواء والخرس والتعب ، و لكن ما ان أتخطى بوابة الشتاء ، وأمشي هناك ذائبا في المطر والوحل والضباب والريح و ندف الثلج الناعم حتى اتجاوز خرسي وتعبي واسترجع كل طفولتي المجروحة معيدا ترميمها و بعثها من جديد من تحت انقاض جزيرة فارغة اسمها الصيف ، أنفض عن كتفي رائحة الصيف وذبابه وغبرته وضجيجه وأمضي مفتوح العينين و مبلللا باتجاه عين العاصفة ، أسوأ الاحاسيس وأشدها ايلاما تلك التي تأتيني فجاة ، حين اشم رائحة الصيف في فصل الشتاء ، احس حينذاك أن ثمة خيانة ما او اثم او خطيئة او مؤامرة ، او تشوه خلقي ، فقط امرأة خفيفة وشتاء ثقيل وروايات يابانية جديدة ، ،من يستطيع أن ينسيني تخرصات واهانات الصيف الفائت ؟ امرأة شتوية تسافر في الصيف وتعود في الشتاء محملة بكتب وشموع ونار جديدة وطاقة متجددة على الضحك والرقص الليليين ، هل الصيف يكره الكتب والموسيقى والرقص ؟ ، هل الشتاء شاعر والصيف رجل أعمال ،؟ المطر دفء والصيف برد ؟ وأن العواصف صلاة ملائكة ،؟ في الشتاء احب اصدقائي اكثر ، أستوعب ما أقرأ بشكل أعمق ، وأكف عن الغيرة من أصدقاء صديقتي وأكتب نصوصي بصدق أشد ، في الشتاء اقترب من الله ومن نفسي ومن اسئلة الوطن والموت والحب ، في الصيف امضي الوقت كله في التفكير بطريقة لقتل ناموسة لا تفارق فضاء اذني . ليس الشتاء فصلا بنظري او وقتا عابرا ، او او مطرا ، انه داخلنا حين يفيض الى خارجه في زيارة مفاجئة وليست أخيرة أبدا للضوء والهواء والبشر ، لنتأملها أونوقظها فينا وتوقظنا فيها ، انه معبر متسامح وطيب يمد لنا جسده لنمشي بأمان الى طزاجة أشيائنا وحقائقنا وأحساسينا وبكارة طفولتنا . ليس الشتاء زمنا فحسب انه مكان ايضا ، ووجهة نظر وقصيدة ووطن وانتماء وحنين ومخاوف جميلة . امرأة خفيفة بحقائب ثقيلة تخبيء في احداها شتاء ثقيلا بعاصفتين وثلجة واحدة عنيفة ، امرأة من مطر اقتحامي تدخل المنزل خفية لتفاجئي بينما أنا في الخارج تبعثر كتبي في الانحاء ، وتعيد انتاج فوضاي بفوضاها الانثوية المبهرة ، وتشتت وعي ستارتي العجوز الكالحة القديمة لتجدد فيها الذاكرة وتنعش حس التلصص والوقاحة الحلوة في طياتها . هذا ما احتاجه الان لأكتب أتمدد في كل الامكنة ، وأعبر الى البرزخ الاخير ، في فلسطين يبدو الشتاء دائما لي وطنا داخل وطن اقامة فاتنة في خاصرة الموسيقى الخفية ، تبدو فلسطين ، رام الله تحديدا بلا احتلال فجأة ، كأنه اعتذر عن مجازره ورحل ، مخلفا وراءه بقايا ندم وبقايا معلبات و دبابات ،و ابتسامات واسئلة وحكايات ضباط عانوا من عجز في فهم سر صمود <السناسل> القديمة حول بيوت الفلسطينين ، تلك التي بناها أجدادنا بصبر نمل ودقة معلم رياضيات ، أين هم الاسرائيليون ؟ كأن الاحتلال لم يكن أصلا ، كأنه حلم كابوسي متواصل في ذهن مدرس تاريخ فلسطيني قديم عاش أيام الانتداب البريطاني وحذر من هجرات اليهود مرتعبا من قدومهم ودارسا خططهم ونواياهم ، هذا ما يفعله الشتاء في فلسطين بي يأتيني بأجمل النساء وأغربهن ويرحل المحتلين . يا شتاء بلادي : أبق هنا ارجوك . لتبقى صديقتي ويظل المحتلون يرحلون

0 التعليقات:

إرسال تعليق